تأمیم النفط ومحمد مصدق

 

 

في عام 1901م، منح الشاه الإيراني المستثمر البريطاني وليام نوكس داسي الامتياز الحصري للتنقيب عن البترول.

أعطى الامتياز دارسي حق احتكار التنقيب، واستغلال، وتكرير البترول في إيران بشرط حصول الشاه على 16% من الأرباح. استمرت عملية البحث سنوات وأخيرًا استخرج دارسي البترول في عام 1908م، وعلى الفور قام البريطانيون بتدشين شركة النفط الأنجلو-إيرانية AIOC لاستخراج البترول وتكريره، بصفتها الشركة المحتكرة الوحيدة لإنتاج وبيع النفط الإيراني وبسبب الثروة الهائلة الموجودة في باطن الأرض الإيرانية، ضمنت هذه الشركة تعزيز القوة البريطانية في الحروب العالمية في أوائل القرن العشرين بالإضافة إلى أنه بحلول عام 1940م كان 40% من بترول الغرب يتم إنتاجه في إيران، بما فيه 75% من بترول أوروبا . والجدير بالذكر أن هذه الشركة ظلت تتطور حتى صارت تُعرف حاليًا بـ British Petroleum، إحدى أضخم شركات العالم الحديث على الإطلاق في أغسطس 1953م، كانت طهران تشتعل، نظمت العصابات المدعومة من المخابرات الأمريكية وزرعت المخابرات الأمريكية عملائها في المظاهرات الإيرانية المؤيدة لمصدق .

بدأت قصة تأميم النفط الإيراني مع بروز اسم محمد مصدق عندما كان عضوًا لامعًا في البرلمان فيما بين عامي 1923 و1928، حتى نفاه الشاه رضا بهلوي بسبب آرائه السياسية والاقتصادية الوطنية، لكنه اضطر إلى إعادته تحت الضغط الشعبي في عام 1939م.

ظل مصدق معارضًا للتبعية الغربية حتى وجد فيه البرلمان ضالته المنشودة لتحقيق آمال الشعب الإيراني. وفي عام 1952م، اختارته مجلة تایم الأمریکیة كرجل العام ولقبته بـ"جورج واشنطون الإيراني، والرجل الأبرز في الساحة الدولة ومع استمرار هيمنة البريطانيين على النفط الإيراني في النصف الأول من القرن العشرين، جاء التحول الجذري في أبريل عام 1951م، فقد تم انتخاب مصدق رئيسًا لوزراء إيران من قبل الشعب الإيراني الساخط على الاحتلال البريطاني، وكانت أولى قرارات مصدق بعد شهر واحد فقط من توليه الحكم، بجانب إضعاف سلطة الشاه وتقليص صلاحياته وتحجيم سيطرته على مجريات الأمور، هو تنفيذ قرار البرلمان بتأميم النفط الإيراني ونزعه من أيدي البريطانيين من أجل التخلص من تبعية إيران إلى قوة أجنبية واسترجاع حق الانتفاع بالنفط إلى الشعب الإيراني حاولت حكومة مصدق استرضاء بريطانيا وتجنب غضبها بكل الوسائل: فقد وعدت الحكومة بتخصيص 25% من أرباح النفط الإيراني لبريطانيا كتعويض لهم، كما وعدت بضمان حياة وأمن ومناصب العمال البريطانيين العاملين في إيران، كما وافقت الحكومة على الحفاظ على النظام العالم القائم وقامت ببيع النفط إلى الشركات الدولية بشكل طبيعي. لكن كل ذلك لم يشفع لمصدق عند بريطانيا، فقد أرادت بريطانيا استرجاع شركتها . بريطانيا تغضب لم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي أمام هذا التحول الجديد، وفورًا شنت حملة دولية ضد مصدق اتهمته فيه بسرقة "ممتلكاتها".

طلب البريطانيون أولًا من المحكمة الدولية والأمم المتحدة أن يعاقبوه، قم قامت بريطانيا بتجميد الأصول الإيرانية في الخارج خشية من انقال فكرة التأميم إلى بقية مستعمراتها، فلم تسفر هذه الضغوطات عن نتيجة تُذكر، فلجأت بريطانيا إلى تحريك بوارجها الحربية إلى الخليج العربي، كما فرضت أخيرًا حصارًا خانقاً أدى إلى تدمير الاقتصاد الإيراني . لكن رغم كل ذلك، لم تتغير سياسات مصدق أمام هذه الحملة الدولية، ووقف الشعب بجانب سياسات مصدق الوطنية، لأن مصدق أخبرهم منذ بداية الأمر عن الصعوبات التي ستواجه التأميم عندما وقف أمام البرلمان خاطبًا: "إن الإيرانيين قد قاموا بالكشف عن كنز كان مخفيًا، ومن فوق ذلك الكنز يرقد تنين سدّ الشعب الإيراني كل السبل البريطانية لللتراجع عن قرار التأميم، مما ألجأ بريطانيا إلى التفكير في تدبير انقلاب عسكري تقليدي على مصدق، لكن مصدق استطاع أن يكشف خطة البريطانيين مبكرًا، فأغلق السفارة البريطنية في عام 1952م، ورحل جميع المسؤولين والدبلوماسيين البريطانيين من إيران ولم يتبق منهم أحد لتنفيذ الانقلاب. العملية أجاكس في مارس 1953، أصدر وزير الخارجية جون فوستر دولس توجيهاته لوكالة المخابرات المركزية، والتي كان يترأسها شقيقه الأصغر آلن دولس، بوضع خطط لإسقاط مصدق. في 4 ابريل 1953، وافق آلن دولس على تخصيص 1 مليون دولار كي يتم استخدامها "بأي وسيلة يمكنها أن تؤدي إلى سقوط مصدق".

سرعان ما بدأ مكتب المخابرات المركزية في طهران لإطلاق حملة دعاية ضد مصدق. وفي النهاية، تبعاً لنيويورك تايمز، في أوائل يونيو، التقى مسئولو المخابرات الأمريكية والبريطانية، في بيروت هذه المرة، ووضعوا اللمسات النهائية على الاستراتيجية.

بعد ذلك بفترة قصيرة، تبعاً للروايات التي نشرها مؤخراً، رئيس قسم الشرق الأدنى والأفريقية بوكالة المخابرات المركزية، كرميت روزڤلت الأصغر، حفيد الرئيس الأمريكي تيودور روزڤلت، أنه وصل إلى طهران لادارة الخطة. عام 2000، قامت نيويورك تاميز بنشر جزء من وثيقة مسربة من المخابرات المركزية بعنوان تاريخ الخدمة السرية- الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني مصدق- نوفمبر 1952- أغسطس 1953. المؤامرة، التي تعرف بالعملية أجاكس، تمحورت حول إقناع الشاه الإيراني بإصدار مرسوم بعزل مصدق من منصبه، كما حاول قبل بضعة أشهر.

لكن الشاه الرعديد كان مرعوباً من محاولة القيام بمثل هذه الخطوة غير المحببة والمحفوفة بالمخاطر ضد مصدق. وتطلب الأمر الكثير من الإقناع والعديد من الاجتماعات الممولة من قبل الولايات المتحدة، والتي شملت رشوة شقيقته أشرف بمعطف من المنك والمال، لتغيير رأيه والتي تكللت بالنجاح. أصبح مصدق على علم بالمؤامرات المدبرة ضده والتي زادت بشكل كبير من عدد المتآمرين داخل حكومته.

حسب د. دونالد ن. ويلبر، الذي كان مشاركاً في مؤامرة الإطاحة بمصدق من السلطة، في أوائل أغسطس، تم التصويت لعقد استفتاء لحل البرلمان ومنح رئيس الوزراء سلطة لجعل القانون خاضعاً للتصويت، وتم تمريره بموافقة 99%، 2.043.300 صوت مقابل 1300 صوت معارض. ] حسب مارك ج. گاسيوروڤسكي، "كان هناك مراكز اقتراع منفصلة للتصويت بنعم وبلا، مما أثار انتقاداً حادة لمصدق" وكان "الاستفتاء الجدلي.. قد مهد الطريق للدعاية المسيئة التي قادتها المخابرات المركزية لإظهار مصدق كدكتاتور معادي للديمقراطية".

حوالي 16 أغسطس، تم تعليق البرلمان إلى أجل غير مسمى، وتمديد سلطات الطوارئ لمصدق الإطاحة بمصدق وقع الانقلاب على حكومة الزعيم الإيراني محمد مصدق يوم التاسع عشر من أغسطس عام 1953، بعد أن احتدم الصراع بين الشاه ومصدق في بداية شهر أغسطس من عام 1953، فهرب الشاه إلى إيطاليا عبر العراق وقبل أن يغادر وقع قرارين: الأول يعزل مصدق والثاني يعين الجنرال فضل الله زاهدي محله.

قام زاهدي في التاسع عشر من أغسطس 1953 بقصف منزل مصدق وسط مدينة طهران؛ في حين قام كرميت روزڤلت ضابط الاستخبارات الأميركي والقائد الفعلي للانقلاب الذي أطلقت المخابرات المركزية الأميركية عليه اسماً سرياً هو العملية أجاكس، بإخراج "تظاهرات معادية" لمصدق في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية. كما أوعز روزفلت إلى كبيررجل طهران وقتذاك شعبان جعفري بالسيطرة على الشارع، وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة الدكتور مصدق؛ بالتوازي مع اغتيال القيادات التاريخية للجبهة الوطنية التي شكلها مثل الدكتور حسين فاطمي الذي اغتيل بالشارع في رائعة النهار. حوكم مصدق أمام محكمة صورية استفاض بعدها محاميه جليل بزرگمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية. حَكَمَ نظام الشاه على الدكتور مصدق بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقاً إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات؛ ومن ثم إقامة جبرية لمدى الحياة في قرية أحمد أباد، الواقعة في شمالي إيران .


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات

أکثر زيارة

Error: No articles to display

اكثر المقالات قراءة

Error: No articles to display