الخاتمه
بعد ان تطرقنا في هذه الرسله الى الى مفهوم ظاهرة الارهاب في القانون الدولي والداخلي وتطرقنا الى ما قد يختلط بهذا النشاط من اعمال اخرى لاسيما تلك النشاطات المتعلقة بأعمال الكفاح المسلح والمقاومة نخلص الى النتائج التالية :
اولآ// تجنبت الاتفاقات الدولية وضع تعريف محدد للمقصود للاعمال الارهابية واعتمدت اسلوب تعداد بعض الجرائم وعتبرتها ضمن مفهوم الارهاب ونرى ان هذا الاسلوب يتناقض مع مبدأ اسلوب تعدد الجرائم يبيح التلاعب من حيث خروج الكثير من الجرائم من دائرة الارهاب الا لشئ سواء أنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يفرزه المتطور من جرائم ارهابية جديدة
ان التشريع الجنائي العراقي لم يعلج الجريمة الارهابية بأعتبارها جريمة مستقلة ولم يسعى الى تحديد لمقصود بها حتى صدور قانون مكافحة الارهاب ونرى ان ذلك كان يشكل نقصا جوهريا في التشريع احسن المشرع في تلافيه لما تتطلبه معالجة الارهاب من اخضاعها الى نظام قانوني خاص لمواجهة أثارها الخطيرة على المجتمع وردع مرتكبيها .
ثانيا// من المهم تمييز نشاطات الكفاح المسلح عن الجرائم الارهابية والحق في المقاومة وتقرير لمصير وفقأ لمبادئ القانون الدولي غير أن ذلك لايسمح مطلقأ لتفسير الانتهاكات التي تقوم بها بعض المليشيات والعصابات على اعتبار انها اعمال مقاومة لمخالفتها للمستقر في الاتفاقات والمواثيق الدولية من شروط الاعمال الكفاح المسلح خاصه ما يتعلق بأحترام تقاليد الحروب وأعرافها وعدم الاعتداء على المدنيين ومن لايشاركون مباشرا أو يكفون عن الاشتراك في العمليات الحربية .
فالاعتراف بشريع المقاومة في القانون الدولي لايتضمن حتمأ الاعتراف بشرعية نشاطاتها لاسيما تلك التي تتعلق بقتل المدنيين وخطفهم وتدمير الممتلكات وكل ذلك يعد في ضمن العمليات الارهابية .
ثالثا// :- سبق الفقه الاسلامي القانون الوضعي باربعة عشر قرنا في تجريم الارهاب ومكافحته وذلك بتحديد جريمة الحرابه وشروطها وعقوباتها كما وردت في القران الكريم, وفرق الفقه الجنائي الاسلامي بين جريمة الحرابه الارهابيه وجريمة البغي السياسيه والتي تقع بباعث سياسي او بتأويل سائغ , وتشدد الفقه الاسلامي في جريمة الحرابه لخطورتها وتأثيرها على الحياة الاجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه ولكونها ذات طابع ارهابي بينما عاملت الشريعه البغاة بصوره اكثر تساهلا وفرقت بين البغي الحق والبغي الباطل وتطلبت مناصرة الاول ومقاتلة الثاني ومعاملة البغاة بالحسنى اذا القو اسلحتهم ولم تجوز الشريعه الاجهاز على الجرحى او اخذ اموالهم او مطاردتهم اذا أدبرو .
كما اعتبر الفقه الاسلامي جريمة الحرابه جريمه عاديه حتى لو كان الباعث عليها سياسيا وذلك بسبب عدم التناسب بين الاضرار والخسائر التي تسببها سواء كانت هذه الخسائر في الارواح او الاموال وبين الباعث لهذه الجريمه حتى على فرض الادعاء بوجود الباعث السياسي لان هذا الاخير يتحقق بالحوار او العنف الثوري المشروع في اطار البغي الحق الذي اوجب الشرع الاسلامي مناصرته والوقوف معه ضد طغيان الحكام حتى تنحيهم عن امرة المسلمين ويجب على البغاة التقيد بقواعد الحرب التي سنها الفقه الاسلامي والا تحول البغاة الى محاربين اذا قطعوا الطريق ومارسو الاعمال الارهبيه .
رابعا//:- براءة الشريعه الاسلاميه والفقه الاسلامي - حيث ان الفقه اخص من الشريعه - من تهمة الارهاب الذي ظهر بصوره جليه بعد الحرب العالميه الثانيه وتبلور كثيرا بعد ضرب وزارة الدفاع الامريكيه ومركز التجارة العالمي في الحادي عشر من ايلول عام 2001 والتي بعد هذه الاحداث جرت محاولات عده على إلصاق هذه التهمه بالإسلام والمسلمين دون وجه حق وطمس حقيقة ان الدول الكبرى وفي فترة من الفترات غذت الإرهاب واستخدمته بديلا عن الحرب لتحقيق اهداف سياسيه مخالفه لكافة الاديان السماويه وللقيم الانسانيه .
كما لم صله بين بعض المصطلحات مثل التطرف والعنف والتي تختلط احيانا مع الارهاب من جهة والاديان السماويه وخاصة الدين الاسلامي الحنيف من جهة اخرى ، فالتطرف والعنف لا دين لهما , حيث ان الاديان كافة ومنها الاسلام تؤمن بالتسامح والمحبه والتعاون بين الناس وتناهض الحرب والقتال وتدعو كافة الاديان الى السلام ولا يقرر الفقه الاسلامي الحرب الا في حالة الدفاع الشرعي او صد العدوان او الدفاع عن مقاصد الشريعه الضروريه وهي النفس والدين والمال والعرض والنسل ولايجوز الحرب الا بعد مشورة الامام العادل والفقيه المجتهد لكي يكون القتال والدفاع موافقا للشرع .
خامسا //:- بعد ان كان الفقه الجنائي الاسلامي واضحا في تحديد الجريمه الارهابيه وبيان شروطها وما وضعه الفقهاء المسلمين من شرح وتفصيل لهذه الجريمه , نلاحظ ان العالم يتردد في وضع تعريف محدد للارهاب , لان هذا التعريف ان وضع سوف يصطدم مع السياسات غير العادله التي تتبعها الدول الكبرى ومنها الكيل بمكيالين فهذه الدول تخلط بين الارهاب والمقاومه متعمدة معتبرة من يقاتل لتحرير ارضه المغتصبه في فلسطين ولبنان والعراق ارهابي اسوة بمن يفجر السيارات والقطارات ويخطف الطائرات لتحقيق منافع مالية او مصالح غير مشروعه فتخلط هذة الدول بين الارهاب المرفوض شرعا وقانونا وبين المقاومه المشروعه التي تندرج ضمن الدفاع الشرعي كما بينته المواثيق الشرعيه والدوليه , فالارهابي واضح هو من يقتل النساء والاطفال والشيوخ لقاء المال او لتحقيق اهداف غير مشروعه فهولا يعرف شرع الله ويرتكب كل رذيله من اجل تحقيق اهواءه ونزواته وطموحاته الانانيه غير المشروعه متذرعا باغطيه متعدده قد يكون احدها الدين .
سادسا //: أثار الإرهاب ، ولا زال ، جدلا عالميا واسعا لما يمثله من خطورة وتهديد لأمن وحياة البشر وحضارتهم وإنجازاتهم ،هذا التهديد الخطير الغير مقيد بقانون أو أخلاق ، والمتسم بالعنف والاستخدام الغير مشروع للقوة ، يؤدي بين الفينة والأخرى بأعداد كبيرة من الضحايا الأبرياء ويدمر الممتلكات ويخلق حالة من الخوف والذعر واليأس ، ويستهدف تحقيق نتائج اكبر عبر الإضرار بالعلاقات الودية بين الدول أو بين رعاياها وبشكل يهدد السلم والأمن الدوليين في الصميم .
وكون الإرهاب هو مفهوم قانوني ذو بعد سياسي ، فان هذا الأمر انعكس في مسألتين ، كانتا سببا في عدم التوصل إلى نتائج حقيقية بصدد إيجاد معالجة شاملة جامعة للقضاء على الإرهاب ، تمثلت الأولى في عدم تناسق الآراء الدولية بشأن أسباب الإرهاب، والمسألة الثانية في عدم توحد الآراء الدولية بشأن تعريف موحد يعكس حقيقة المفهوم في ظل الوضع الدولي الحالي ، وصولا إلى وضع اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب .
بالرغم من تعاضم الجهود الدولية المبذولة في سبيل مكافحة هذه الظاهرة ، ألأ أن التباين الواضح في المصالح الدولية والتي اثرت بشكل واضح في مسألة مكافحة الارهاب ، فان الامم المتحدة قد عملت و بشكل جاد ومكثف لاحتواء هذه الظاهرة ومحاولة مكافحتها فقد وضعت و طورت – الامم المتحدة وكالاتها المتخصصة -العديد من الاتفاقيات الدولية لتمكن المجتمع الدولي من اتخاذ الاجراءات اللازمة لقمع الارهاب ومحاكمة المسؤولين عنه ، عاكسة بذلك تصميم المجتمع الدولي على ازالة هذا الخطر ، حيث تقدم هذه الاتفاقيات ، التي يرجع اقدمها إلى عام 1963 ، ادوات قانونية اساسية لمحاربة الارهاب الدولي في كافة اشكاله – من خطف الطائرات إلى حجز الرهائن إلى تمويل الارهاب – وان غالبية بلدان العالم قد صادقت على معظم هذه الاتفاقيات حيث تم وضع هذه الاتفاقيات من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة ومنظمة الطيران المدني والمنظمة البحرية الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية .
لا بل ان الجمعية العامة للامم المتحدة قد وضعت بندا خاصا بهذا الموضوع ومنذ الدورة السابعة والعشرون عام 1972 ، على اثر احداث ميونيخ ، حيث تجري مناقشة الموضوع بشكل دوري مستمر وعبر لجان متخصصة تم انشاؤها بغرض تكثيف الجهود للتوصل إلى نتائج ايجابية بصدد الموضوع ، الا ان هذه الجهود كانت تعترضها دائما مسألة اختلاف الراي بين اعضاء الجمعية العامة والتي اساسها يبقى في اختلاف المصالح الدولية .
واذا كانت معالجة القضايا الارهابية قد استحوذت عليها الجمعية العامة للامم المتحدة ، واعتبرتها تهديدا للسلم والامن الدوليين ، فان مجلس الامن قد اسهم هو الاخر في تعزيز الحملة الدولية القانونية لمكافحة الارهاب ، فقد عالج مجلس الامن مسألة الارهاب الدولي بصورة مركزة منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات ولا زال عبر عدة قرارات وبيانات رئاسية ، أي ان معالجة مجلس الامن للمسألة لم تترافق زمنيا مع معالجة الجمعية العامة التي باشرت النظر فيها منذ عام 1972 ، وتوزعت معالجة مجلس الامن لمسألة الارهاب الدولي في قرارات تناولت حالات واوضاع بلدان محددة وقرارات استهدفت القضاء على الارهاب بصورة شاملة . وان التسلسل التاريخي لقرارات مجلس الامن يوضح طبيعة هذه المعالجة وتطورها الموضوعي واثر البيئة السياسية ومصالح الدول المؤثرة في صنع قرارات مجلس الامن ، خاصة وان المعالجة كانت في مرحلة ما قبل احداث 11 ايلول 2001 مختلفة عن المعالجة القانونية لمرحلة ما بعد احداث 11 ايلول 2001 بتاثير من الظروف السالفة الذكر، حيث تصدى مجلس الامن بعد احداث 11 ايلول وبشكل مباشر لهذه الظاهرة بسلطات الفصل السابع من الميثاق ، لضمان تنفيذ قرارات المجلس ، كما ان القرارات الصادرة في هذه المرحلة قد اتصفت بالشمولية لكل المنافذ التي تحاصر هذه الظاهرة ، وارتفاع هذه القرارات إلى مستوى الالزام القانوني والعملي ، كما انها اصبحت تحضى بحساسية خاصة ، وتنفيذ جبري ، لا بل ان تاثير هذه المرحلة قد وصل إلى حد تغييب أي تمييز بين الارهاب وحركات التحرر بتاثير من سطوة نفوذ الولايات المتحدة الامريكية والحلف الذي تقوده في حربها المعلنة ضد الارهاب .
ولم يتبقى لنا الا ان نقول ، في خضم ما يجري حاليا على الساحة الدولية من احداث ومجريات في ظل انقياد العالم خلف قوة منفردة تحقق ما تريد بالتهديد والوعيد وتؤثر بشكل او باخر في مسار الجهود الدولية القانونية وبالصورة التي تلائمها ، ان العالم لن يسلم من الارهاب الدولي كتهديد خطير ولن يتم القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة ، لابل انها محتملة الازدياد والتوسع، إن لم يتفق المجتمع الدولي على :-
1- معالجة اسباب الارهاب والتي هي اساس خروج الظاهرة للوجود ، فالقضاء على الاسباب يعني معالجة الظاهرة والقضاء عليها اما اذا ظل الامر على ما هو عليه باهمال معالجة الاسباب ، فستكون النتائج كارثية وعلى المستقبل البعيد .
2- وضع تعريف شامل وجامع للارهاب لتحديد ما هو ارهاب وما هو غير ارهاب ، أي وضع الحدود والفواصل القانونية لهذا الغرض ، وعدم تجاهل حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحقها في النضال والكفاح المسلح لتحقيق هذا الحق ، وبالتالي الاقرار الكامل بوجوب التمييز بين ما هو ارهاب غير مشروع وبين ما هو كفاح مسلح لحركات التحرر الوطني مشروع ومقر دوليا .
3- وضع اتفاق دولي شامل لمكافحة هذه الظاهرة تشتمل ما ذكرناه انفا (معالجة الاسباب – وضع تعريف مناسب ) وتضع الحدود المعقولة وتبين التزامات الاطراف الدولية ومن كافة النواحي القانونية لتجعل من مهمة مكافحة الارهاب مهمة انسانية تقع على عاتق المجتمع الدولي والانسانية باجمعها .
النهاية
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر