استشراء الطمع وفقدان المرشد الأخلاقی أدی إلی ابعاد العالم عن السلام العادل

تعتبر لیدی بورتون من ناشطی الحرکة المدنیة المناهضة للحرب فی أمریکا ، هذه الکاتبة الأمریکیة من موالید عام 1942 فی واشنطن وکان لها فی عقد الثمانینات عمود ثابت فی مجلة نییورک تایمز مع مضامین مناهضة للحرب وداعیة للسلام ،

وإلی الان کان لها کتابان عن الحرب الأمریکیة فی فیتنام عنوان الأول بعد الأسی (After Sorrow) وإحساس العدو (Sensing The Enemy) لتکون بذلک تاریخا شفاهیا عن قبائح و ویلات الحرب ، هذه الناشطة المدنیة فی معرض إجابتها عن أسئلة «الخطاب» قدمت شکرا للقائمین علی المؤتمر الدولی التحالف العالمی ضد لمکافحة‌الذرهاب من أجل سلام عادل ،وقالت: « مع عدم الیأس والخطو خطوات صغیرة وکبیرة من قبل النخب العالمیة یمکن أن نجعل من المحیط العالمی محیطا ملیئا بالسلام من أجل أطفالنا » وتعتقد أن الطمع ومن ورائه انعدام العدالة هو السبب الأساسی لعدم تحقق السلام العادل فی العالم .

* علی الرغم من الجهود الکبیرة للإنسان ومنذ العصور القدیمة وإلی یومنا هذا لإیجاد ونشر السلام الشامل فی العالم نجد أن هذه الهدف یعتبر غیر قابل لتتحقق حتی الآن ، وهذا مع مانشهده يوميامن توترات وصراعات الصغیرة والکبیرة جديدة فی العالم ، باعتقادک کصاحبة رأی ما هی الموانع التی تحول دون تحقیق السلام العادل والدائم فی العالم ؟

العائق الأساسی أمام تحقیق السلام فی العالم من قبل البشر هو ترکیب من الطمع وفقدان المرشد الأخلاقی وتجاهل الهیکلیات السیاسیة أو التوجهات الدینیة للشعوب الأمر الذی یبدو أنه تحول إلی معضلة عالمیة کبیرة ، فی االولایات المتحدة الأمریکیة والتی أنا مواطنة فیها ، وبحسب المعلومات التی عرضها منذ وقت قریب جوزیف استکلیز (Joseph Stiglit) الحاصل علی جائزة نوبل للإقتصاد للعام 2001 فإن واحد بالمئة من المواطنین یحصلون علی 25 بالمئة من الناتج السنوی وأنهم یمتلکون 40 بالمئة من الثروة ، کما یضیف استکلیتز :«السیاسة الخارجیة کما هو معلن مهمتها الموازنة بین رأس المال الوطنی وبين الثروات الوطنیة » ، وذلک الواحد بالمئة الذی أشار إلیه لیحافظ علی ثرواته ومصالحه فإنه یسیطر علی السیاسات المالیة للولایات المتحدة لیضمن تخفیض دفع الضرائب من قبل الأثریاء ،هؤلاء الأشخاص قلما یستخدمون فی الجیش وهم لا یهتمون للدیون الوطنیة الناشئة عن الحروب السابقة والحالیة والمستقبلیة ، ویضیف استکلیتز :« نظریة التوازن والردع تذهب إلی أبعد من ذلک ، فمغامراتنا لا حد ولا حدود لها ، الشرکات والمستثمرون یمضون قدما فی أعمالهم دون أن یفکروا سوی فی مصالحهم وأرباحهم »

أوضاع مشابهة یمکن مشاهدتها فی دول أخری ، اجتماع الطمع و فقدان المرشد الأخلاقی یبعدنا عن« السلام العادل» ویقودنا إلی « الحرب العادلة » وهی المصدر الأکبر لجنی الأرباح وهی فی نفس الوقت ستکون المصدر الأکبر للظلم والأسی فی العالم .

* فیما یتعلق بهذا الأمر بعض المفکرین یعتقدون أن السلام أصبح الیوم أداة وشعارا فی ید بعض الدول والقوی وبذلک هم يعرضون السلام العالمی إلی مخاطر جدیة ، ومن هنا فهم یعتقدون أن « السلام العادل » هو الذی یجب أن یکون مبدأ الحرکة ، برأیک ما هی خصائص وممیزات السلام العادل ؟

مرادف کلمة « السلام» باللغة الفیتنامیة هو «hoabinh»Hoa تعنی « التعاون مع الآخرین » وBin تعنی «المسالم» وکذلک «المشترک بین عدد کبیر من الناس» بعد إعلان استقلال فیتنام فی الثانی من سبتمبر عام 1945 بعد نهایة الحرب العالمیة الثانیة ، کان هناک ثلاثة دول جاهزة للسیطرة علی فیتنام وهی فرنسا وبریطانیا والصین ، ونسبة المتعلمین فی فیتنام البلد المستقل حدیثا کانت من 5 إلی 10 بالمئة وفی الربیع السابق لذلک العام مات أکثر من ملیونی فیتنامی فی دلتا النهر الأحمر (Red River Delta) فی شمال فیتنام بسبب المجاعة ، وعرف هوشی منه (Ho Chi Minh (1890 – 1969)) مؤسس دولة فیتنام الجدیدة السلام بأنه عدم وجود الحرب وأن یتمتع کل فرد فی المجتمع بالغذاء واللباس وإمکانیة التعلیم بالشکل الکافی ، وفی وصیته التی أمضاها فی 10 مایو 1969 ذکر هوشی منه أن آخر أمنیة له بالنسبة لشعبه کانت :« أن تعيش فیتنام فی سلام واستقلال ودیمقراطیة وازدهار » ، الترتیب الذی استخدمه فی کلماته فیه حکمة أیضا لقد کان دوما یعتبر أن السلام هو أول الأولویات والإزدهار جعله فی آخر الترتیب .

منذ نهایة الحرب العالمیة الثانیة وإلی الیوم تغیرت الکثیر من الأمور ولکن القیم الأصلیة ما زالت باقیة علی حالها .بزخمها السابق ونحن من خلال هذا المؤتمر یمکننا بمشارکة الکثیر من ممثلی الشعوب والثقافات المختلفة أن نضع تعریفا محددا « للسلام العادل » ، ربما یمکن أن یکون التعریف المقترح التالی نقطة انطلاق جیدة .

اعتقد أن السلام العادل هو حالة من التعاون المؤثر والقوی والدائم بین الشعوب وبین مکونات الشعب الواحد وفی هذه الحالة یتم التخلص من جمیع أشکال الحرب وأعمال العنف واستبدالها بالغذاء الکافی وبیوت سکنیة وبالتعلیم والعنایة الصحیة وفرص عمل وبالاهتمام بحقوق البشر، فی هذا التعریف تقوم الحکومات بإیجاد هذه الفرص لمواطنیها وأن تستخدم نظاما مالیا بحیث تخرج المداخیل والثروات من أیدی أفراد معدودین لتوزع بشکل عادل بین الأکثریة من أفراد المجتمع .

بالنظر إلی تأکید الأدیان السماویة علی مسألة السلام و ترسیخ الأمن والاستقرار وأیضا العدالة فی العالم ، وبالنظر أیضا إلی أن أکثر الناس هم من أتباع الدیانات السماویة ، ما هی الأدوار الخاصة للأدیان التی من الممکن تصورها فی مجال تحقیق السلام العادل ؟

یمکن للأدیان وللنظم الأخلاقیة وبالإستناد إلی الخصائص الإنسانیة المشترکة بیننا جمیعا أن تکون وسیلة لاتحاد الآراء المختلفة ولکن للأسف یتم استخدام الأدیان والنظم الأخلاقیة لإبعاد الناس عن بعضهم االبعض ، طبعا أن لا أتبع دینا بعینه ووالدی کانا من الکویکر (Quaker) وهذه الجماعة بطبیعتها مسالمة وتسعی للسلام ، وأنا إلی الآن احترم هذه الفکرة الموجودة فی جماعة الکویکر والتی تقول :« النور أو الإشراق الداخلی (أو روح القدس أو الله أو الإنسانیة ) بدون النظر إلی العرق والجنس والموقع والمنصب والعمر هی موجودة فی کل إنسان »

اعتقد أن البحث فی هذه الأمور یمکن أن یقودنا لأبحاث ضروریة تساعدنا فی إیجاد التحالف الدائم العالمی لتحقیق السلام العادل

* الإرهاب هو أحد التهدیدات الأساسیة للسلم العالمی ، والیوم یشهد العالم مشکلات کبیرة بسبب انتشار ظاهرة الإرهاب فی العالم ، ما هی أسباب انتشار هذه الظاهرة البشعة وغیر الإنسانیة وما هی العلاقة بین انعدام العدالة والانتشار الواسع لهذه الظاهرة الخطیرة ؟

الإرهاب کلمة فضفاضة والتی تستخدم غالبا ضد فئة خاصة من الناس ، فی الواقع من الممکن أن یعتبر البعض أن أعمال جماعة ما هی أعمال إرهابیة وراءها دوافع إرهابیة ولکن نفس هذه الأعمال ربما تکون فی نظر البعض الآخر أعمال تهدف إلی التحرر والعدالة.

إن احتلال أراضی الآخرین والظلم الواسع فی تقسیم الثروات والفرص تقوی دائما فی أنفسننا إرادة التغییر فی المجالات الدولیة والمحلیة والوطنیة ، والأطراف التی لا تتمتع بقوة کبیرة فی مواجهتها للقوی العسکریة الکبیرة یمکن أن تسلک سبلا سلمیة للوصول إلی أهدافها ، لمهاتماغاندي،ومارتن لوثركينغ ونيلسون مانديلا هم أمثلة لقيادات لحرکات سلمیة ، وعادة ما یستخدم الأقویاء القدرات العسکریة و العنف المفرط فی مواجهة تلک الحرکات السلمیة وقادتها ، وهذه العملیة یمکن أن یکون لها صور أخری ، بحیث تلجأ الأطراف الأضعف إلی حرب عصابات مبتکرة ومتناغمة ومرتبطة ببعضها البعض وبهذا الشکل تنهک وتستنزف الآخرین وکذلک تضعف وتستنزف نفسها ، وبهذا الشکل یمکن للأطراف الضعیفة باستخدام قوة استنزاف أن تدخل المعرکة وتقوم بحرب عصابات منسقة ومبتکرة وذات اتجاه واحد.

فی مقالته الجدیدة وعنوانها « من واحد بالمئة من قبل واحد بالمئة ومن أجل واحد بالمئة » یقدم جوزیف استکلتز توضیحا لجذور الإرهاب ویقول سببه هو« الطمع غیر المحدود»

عدم التوازن فی القدرات والثروات لأکثر الشعوب فی العالم أمر واضح جدا ، عدم التوازن هذا یؤدی إلی تنامی انعدام العدالة والانهیار المتزاید بین الفقراء وفی النهایة یؤدی إلی ظهور حرب العصابات أو الإرهاب کأسلوب للمظلومین والمستضعفین لیجابهوا به القوی الکبری .

علی الرغم من وجود دعایة کبیرة ومیزانیات ضخمة فی مسألة مواجهة الإرهاب ولکننا لا نری أی تطورا ملحوظا فی هذا المجال فما هو السر فی ذلک ؟برأیکم وبصفتکم من أصحاب الرأی ما هی الحلول الناجعة لمواجهة هذه الظاهرة غیر الإنسانیة وللوصول إلی السلام العادل ؟

مصطلحات الإرهاب ومواجهة الإرهاب ومحاربة الإرهاب مصطلحات تستخدم من طرف واحد ضد الطرف الآخر، کل هذا الخلط والضعف فی التعبیر غیر مستغرب ، ففهم الاخر أمر صعب جدا ، کما هو من السهل علی القوی الکبری أن تغری علی الصعید الدولی ذلک الواحد بالمئة من الناس الذین یسعون وراء المکاسب والمنافع والأرباح والفرص الأکثر.

وبالطبع فإن أوضح مثال علی مثل هکذا أعمال ما حصل فی زمن الرئیس السابق بوش الذی اخترع اسطورة أسلحة الدمار الشامل فی العراق وحمل صدام حسین مسؤولیة الهجمات التي قامت بها القاعدة علی برجی التجارة العالمییین فی نییورک ، طبعا بوش کان یعلم أن صدام لم یکن له أی دور فی تلک الهجمات ، فمن المنطقی أن یقول العراقیون وهم الذین قصفوا من قبل الولایات المتحدة أن حرب بوش علی الإرهاب کانت هی نفسها عملا إرهابیا.

وسائل الإعلام أیضا تعتبر من وسائل القوة والتی یسعی ذلک الواحد بالمئة إلی السیطرة المطلقة علیها ، بالطبع أن عددا قلیلا من الناس یمکنهم الوصول إلی مصادر معلومات غنیة ومتنوعة ، الیوم فی أمریکا وبسبب الدعایة التی کانت موجودة فی زمان الرئیس السابق بوش هناک الکثیر من الناس ما زالوا یعتقدون أن العراق کان یتعامل بأسلحة الدمار الشامل ، والعراقیون یمکنهم الاستدلال بأن اسلحة الدمار الشامل فی العراق هی التی أحرقت بغداد ودمرتها ولم ینجو من ذلک إلا وزارة النفط .

إن مواجهة الإرهاب ومن دون الأخذ بعین الاعتبار من یقوم بمثل هذه الأعمال کامن فی ضم الأصوات المخالفة والتنسیق معها وفی التشاور والبحث لإیجادالسلام العادل ، علی هذا الأساس يمکن إيجاد عدد من الحلول والسبل

* تقدیم حلول وسبل وإرشاد المشارکین فی مجال کسب مهارات الاستماع الفکری البناء(reflective listening)، والإدارة المتعارضة والحل المعارض (Conflict Management).

- إقامة المؤتمرات والندوات المختلفة فی مجال « الاستماع الفکری البناء» بشکل سری للذین عندهم أفکار متعارضة أیدلوجیا بحیث یتمکنوا من فهم واستیعاب من یخالفهم فکریا والاستماع إلی أفکارهم ونظریاتهم ومن ثم تقدیم أفکارهم ونظریاتهم للآخرین وثالثا جمع نقاط الالتقاء والاشتراک حتی یتمکنوا من التعاون مع بعضهم البعض .

* ان نقبل بشکل عملی أن لکل شخص قدرات ومهارات وأشیاء أخری یمکن أن یشترک فیها مع الآخرین .

* أن نرشد الآخرین حتی یتمکنوا بأسالیب من المشارکة بشکل مؤثر ومفید وبحسب القدرات التی یتمتعون بها .

* أن نحدد الإجراءات والنشاطات التی لها تأثیر کبیر .

* أن نتذکر أن الخطوات الصحیحة والمستمرة یمکن أن تعطی نتائج کبیرة .

ما هی رؤیتکم المستقبلیة للعالم وللسلام العادل والشامل؟

علی الرغم من أن التفاؤل لیس بالأمر السهل ولکن التهدیدات الکبیرة یمکن أن تتحول إلی فرص کبیرة لإقامة السلام العادل ، أن مستقبل أولادنا فی خطر علینا أن لا نکون غیر مبالین .

فی عبارة السلام العادل هناک قوة کبیرة کامنة فی اللغة الإنکلیزیة تحمل هذه العبارة معنیین لأن کلمة «Just» لها معنیان :

• Just والتی جذرها فی Justice أیضا بمعنی السلام مع العدالة

• Just بمعنی فقط وفی هذه الحالة یصبح معنی العبارة فقط السلام ولیس الحرب

یجب أن نقوی هذه العبارة والتی کانت انتخابا صحیحا وسلیما من قبل المشرفین علی المؤتمر وأن نؤکد علیها عن طریق کتابتها مستخدمین دوما للحروف الکبیرة P و J فی بدایة العبارة «Just Peace» .إذا ما تحقق السلام العادل فإنه سیؤدی إلی زوال الإرهاب ، یجب أن نصل إلی الأهداف الکبیرة من خلال الخطوات الصغیرة ، وباعتبار أن المشارکین فی المؤتمر لهم أفکار متنوعة وینتمون أیضا إلی شعوب وثقافات متنوعة فهذه المجموعة یمکنها أن تصنع تحالفا عالمیا، ولو تمکن المشارکون من الاتفاق علی أن عدم تحقق السلام العدل هو السبب الرئیسی لظاهرة الإرهاب فسیصبح من المنطقی أن یؤکدوا بقوة علی تحقیق السلام العدل وأن یؤسسوا قناة تلفزیونیة باسم السلام العدل أو التحالف العالمي من أجل السلام العادل ومواجهة الإرهاب .

نقلا عن مجلة الخطاب الصادرة‌عن المجمع العالمي للسلام الإسلامی/ طهران


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات