حضارة الدم؛تاريخ الإرهاب الامريکي (7)

عقد الثمانينات

ليبيا :

ليبيا كانت إحدى الدول العربية التي عانت لسنوات من الإرهاب الأمريكي الممنهج طوال عقدي الثمانينات والتسعينات ، ذلك الإرهاب الذي أخذ صوراً كثيرة بدءاً من قصف الأراضي الليبية مروراً بحملات التشهير الإعلامية وإنتهاءاً بفرض حظر الطيران الشهير .

في البدء كانت الثورة الليبية التي جاءت لتنهي الرجعية في طرابلس الغرب وتنهي معها تواجد أمريكي على أرضها وإغلاق كافة المعسكرات الإمبريالية الأمريكية .

وجود الثورة في ليبيا هدد المصالح الأمريكية في شمال أفريقيا ، ووجود زعيم كالقذافي على رأس الثورة أجهض الأحلام الأمريكية في السيطرة على حقول النفط الليبية المشهورة بنفطها الخفيف والأكثر طلباً على مستوى العالم .

ومما ذاد العداء الأمريكي ضد ليبيا وقيادتها هو محاولة ليبيا لعب دور فعال عربياً وأفريقياً وعالمياً .

دولياً .. حاولت ليبيا لعب دور ما عن طريق دعم حركات التحرر في ايرلندا ونيكاراجوا وهو ما أهلها لنيل رتبة (( العدو )) للولايات المتحدة الأمريكية .

إفريقياً .. طالبت ليبيا منذ منتصف السبعينات بإنشاء إتحاد أفريقي يبحث في سبل الإرتقاء بالقارة السمراء ، وكما هو معروف فإن القارة السمراء في العرف الأمريكي يجب أن تبقى على الدوام مستنقعاً للأمراض ومسرحاً للحروب العرقية وسوقاً للسلاح الغربي ومتجراً للنخاسة الرخيصة ... ومقبرة للنفايات النووية الأمريكية .

كما كانت ليبيا إحدى أكثر الدول دعماً لمناضلي جنوب أفريقيا المقاتلين ضد النظام العنصري هناك .

 

أما الذنب الذي لم تغفره أمريكا لليبيا فهو إستضافتها بعضاً من فصائل المقاومة الفلسطينية على أراضيها وموافقتها على إنشاء معسكرات تدريب للمقاتلين مما أعتبرت معه ليبيا دولة راعية للإرهاب وتصدرت لسنين القوائم السوداء الأمريكية .

ولكن كيف مارست أمريكا إرهابها على هذا البلد العربي وعلى قيادته وعلى شعبه الأصيل .

في عام 1980 قامت الــ CIA بمحاولة فاشلة لإغتيال القائد معمر القذافي عن طريق إسقاط طائرته الخاصة أثناء سفره إلى أوروبا الشرقية آنذاك ، القذافي نجا بأعجوبة من الموت في حين أن طائرة إيطالية كانت تحلق بالصدفة في الجوار أُسقطت بدلاً من طائرته .

في 27 يوليو عام 1981 نشرت النيوزويك Newsweek الأمريكية مقالاً قالت فيه أن رئيس جهاز الإستخبارات الأمريكية CIA انذاك ( وليم كاسي - William Casey ) وافق على خطط لإغتيال القائد معمر القذافي سياسياً وجسدياً والإطاحة بالنظام الليبي بالكامل واستبداله بنظام موالي لأمريكا .

لم يمضي شهر على هذا المقال وبالتحديد في تاريخ 19 أغسطس عام 1981 قامت المقاتلات الأمريكية بإسقاط طائرتا إستكشاف ليبيتين فوق خليج ( سرت ) الليبي .

بحلول عام 1985 كانت الولايات المتحدة قد قامت بتجنيد العديد من العملاء والمرتزقة في ليبيا في محاولة جديدة لقتل الرئيس الليبي معمر القذافي عن طريق تسميم طعامه بشكل يومي وتدريجي من أجل قتله بطريقة تبدو طبيعية أمام أنظار العالم .

عام 1986 جاء ومعه المذيد من إرهاب راعي البقر الأمريكي ، ففي يوم 25 مارس من ذلك العام قامت المقاتلات الأمريكية التابعة للأسطول السادس الأمريكي ( المكلف رسمياً بحماية إسرائيل وفرض القرصنة الأمريكية في البحر المتوسط ) قامت بإغراق سفينتين تابعتين لخفر السواحل الليبي أثناء تواجدهما في المياه الإقليمية الليبية وقتلت أكثر من 50 عسكرياً معظمهم قتلوا أثناء محاولتهم السباحة والوصول إلى الشواطيء الليبية .

هذا الإرهاب لم يمر دون إشادة من جورج بوش الأب نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت الذي حيا شجاعة جنوده أثناء تواجده معهم على متن المدمرة ( إنتربريز Enterprise ) التي كانت تمر بالسواحل الليبية متجهة إلى سلطنة عمان .

ثم جاءت المجزرة عندما قصفت طائرات أمريكية منشآت مدنية في مدينتي طرابلس العاصمة وبنغازي مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 ضحية .

السبب كما ادعت أمريكا في ذلك الوقت هو ضلوع القذافي والأجهزة الليبية في حادث تفجير بملهى ليلي في ألمانيا يرتاده الجنود الأمريكيون المرابطون على الأراضي الألمانية .

هذه التهمة التي رفضتها ليبيا بشكل قاطع وطالبت الولايات المتحدة بتقديم إثباتاتها .

الأمريكيون بالطبع لم يقدموا أي إثباتات لأياً كان بل رفضوا حتى كتابة هذه السطور تقديم إعتذار لأهالي هؤلاء الضحايا ، بل العكس هو ما حصل فعقب سقوط طائرة ( بانام 103 - Pan Am 103 ) المدنية فوق منطقة ( لوكربي - Lockrebie ) الأسكتلندية عام 1988 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتحميل ليبيا مسؤولية الحادث وفرضت حظر للطيران فوقها وطالبتها بتسليم إثنين من رعاياها لمحاكمتهم أمام القضاء الأمريكي على الرغم من عدم وجود قانون لتسليم المطلوبين بين الولايات الإرهابية الأمريكية وبين الجماهيرية الليبية .

وباقي القصة معروفة .

 

السلفادور

 

لأكثر من عقد من الزمن والسلفادور تعاني من ويلات الإرهاب الأمريكي فالقتل والتعذيب والقمع والإغتصاب وإختفاء الأفراد كلها مصطلحات أدخلها الأمريكيون إلى هذا البلد الصغير .

الإرهاب الأمريكي بدء مع مطلع الثمانينات عندما أرسل الأمريكيون فرق مرتزقة إلى السلفادور لتأجج الحرب الأهلية هناك ولمساعدة الحكومة الديكتاتورية على مواجهة الثوار الوطنيين ، تلك الفرق التي دربت ومونت من قبل واشنطن في (( المدرسة العسكرية للقوات الخاصة - U.S.Army School of Special Forces ) التي كانت مناراً لتخريج القتلة والمرتزقة على مدار العقود السابقة .

السفاحون الذين يتخرجون من هذه المدرسة الإجرامية لابد أن يكون بمقدورهم إرتكاب الفظائع من إبادة وحرق وقتل وتمزيق الأعضاء والإغتصاب والتعذيب .

شهد أحد الهاربين من الخدمة في فرق الموت تلك عملية التدريب فيقول :

(( كنا نُأمر بقتل الكلاب عن طريق إقتلاع حناجرها )) ... (( لقد حضرت عمليات تعذيب حقيقية لمعارضين سياسيين حيث شاهدت عملية إنتزاع أظافرهم وحرق أجزاء من أجسادهم قبل تقطيعهم وهم يصرخون ))

 

في عام 1983 وصلت عمليات الذبح إلى ذروتها مع وجود فرق موت مثل (( كتيبة اتلاكتال - Atlactal Battalion ) تعمل على زيادة معدلات الإبادة في هذه البلاد المنكوبة .

نشرت مجلة النيويورك تايمز شهادة إثنين من الصحفيين الأمريكان الذين زاروا أقليم ( سونسونات - Sonsonate ) في السلفادور للوقوف على أسرار المذبحة التي حصلت وكان من نتائجها قتل ثمانية عشر فلاحاً على يد المرتزقة ، تقول الشهادة : . (( على الأقل عشرة من الخبراء الأمريكان كانوا ضمن القوات العسكرية في سونسونات أثناء المجزرة )) فصول المأساة في السلفادور تتواصل مع إرتفاع عدد الضحايا إلى مايربو على 30.000 قتيل و 10.000 مفقود وملايين الدولارات المقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية .

عدد ضحايا العنف في السلفادور وصل إلى أكثر من مائة ألف شخص غير الآلاف الآخرين من مفقودين ومعذبين ومعتقلين ومغتصبات .

- حدثت مجزرة في قرية ( مازوت - Mazote ) راح ضحيتها 1000 قتيل من الفلاحين .

طبعاً لا تصدر أي إدانة من طرف البيت الأبيض لمثل هذه الجرائم طالما كان مرتكبوها يدينون بالولاء والفضل لأمريكا .

الكاتب الأمريكي ( توماس بودنمير - Thomas Bodenheimer ) يصف لنا هذه المسلكية في السياسة الأمريكية في كتابه ( Rolling Back ) فيقول : .(( مع نهاية ولاية ريجان أصبحت القواعد معروفه بالنسبة لدول العالم الثالث )) ... (( الحكومات التي تدين بالولاء لواشنطن هي حكومات ديموقراطية رغم قمعها للثوار الذين يسمون إرهابيون ، في حين أن الحكومات الإرهابية هي التي تقمع من تدعمهم واشنطن من مرتزقة زالذين يُخلع عليهم لباس الديموقراطية )).

 

ماحدث وما فعلته الإدارات الأمريكية في السلفادور تكرر وبنفس السيناريو تقريباُ في نيكاراجوا وفي كولومبيا .

 

ولكي نبين بإختصار مدى معاناة شعب كولومبيا من الارهاب المدعوم أمريكياً نورد نص ماقاله رئيس مكتب أمريكا اللاتينية والكاريبي بمنظمة العفو الدولية ( كارلوس سالينيس - Carlos Salinas ) الذي قال ساخراً :

(( لو أنك أعجبت بالسلفادور فحتماً ستعشق كولومبيا ، إنها نفس فرق الموت ونفس المساعدات العسكرية ونفس التغطية السياسية من واشنطن لما يحدث ))

العراق

بوابة عروبتنا الشرقية وبلاد الرافدين ودرة العباسيين وحضارة الآشوريين وحدائق بابل المعلقة وقروناً من النهضة والثقافة وتاريخ العروبة .

كل هذا ينتهك يومياً وبشكل مدروس ومتعمد من قبل راعي البقر الأمريكي .

في يوم أغبر من تاريخ الأمة العربية وفي أسوأ العهود التي مرت على الأمة العربية والإسلامية ....

وفي تاريخ 2 - 8 - 1990 دخل الجيش العراقي إلى الكويت ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا والشعب العراقي كله يدفع بدم ودموع أطفاله ثمن خطأ لم يرتكبه ( خطأ نظام صدام الذي دعمته أمريكا ليفعل سلسلة أخطاء بحق بلده وشعبه وحق جيرانه تمهيداً للتدخل السافر من جانبها وإحتلال المنطقة العربية والسطو على مقدراتها ) .

لم يشهد تاريخ الإنسانية على مر العصور حملة إرهاب ضد شعب أعزل كتلك المفروضة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية على الشعب العراقي بدعم وموافقة حكام العرب .

حرب الخليج الثانية أو عاصفة الصحراء ما هو إلا إسم براق لعملية الإبادة الجماعية التي إستهدفت إخواننا في العراق .

فعلى مدار ستة أسابيع بلغ مجموع ما ألقي على العراق أكثر من 88 ألف طن من القنابل والمتفجرات أي مايوازي القوة التفجيرية لسبع قنابل نووية بمعدل قنبلة نووية كل أسبوع كتلك التي ألقيت على هيروشيما .

خلال 43 يوماً الأولى لمذبحة عاصفة الصحراء قُصف العراق بما يفوق الــ 80.000 قنبلة عنقودية من النوع المحرم دولياً التي تحتوي الواحدة منها 250 قنبلة صغيرة ضد الأفراد تكفي لقتل جيش بأكمله لتتحول أرض العراق إلى مايشبه قطعة من الجحيم بفضل كثافة الغارات الجوية الأمريكية على بلاد الرافدين التي تجاوزت في عدد طلعاتها المائة ألف طلعة شملت جميع المدن العراقية وكافة القرى .

 

طريق الموت :

 

بتاريخ 26 - 2 - 1991 أصدرت القيادة العراقية أوامر إنسحاب للجيش العراقي من الكويت تماشياً مع القرار الدولي رقم 660 الصادر من الأمم المتحدة والذي يقضي بإنسحاب القوات العراقية إلى الحدود المتعارف عليها دولياً .

خلال عملية الإنسحاب هذه قام الطيران الأمريكي بأقذر عملية قتل جماعي في العصر الحديث ، فكما تذكر الصحافية الأمريكية ( جويسي شدياك - Joyce Chediac ) في شهادتها بأن الطريق الدولي بين الكويت والبصرة كان يمتليء بما يفوق 2000 عربة عسكرية ومدنية والآلاف من الجثث المحترقة والمتفحمة لجنود عراقيين ومدنيين من جنسيات مختلفة كانت ملقاه على قارعة الطريق .

القاذفات الأمريكية العملاقة من نوع B - 52 مشطت بالقنابل هذا الطريق عدة مرات لتضمن عدم نجاة وصول أي إنسان إلى البصرة .

الإدارة الأمريكية لم تكتفي بذلك بل أرسلت طائراتها من مختلف الأنواع لإصطياد الهاربين من هذا الجحيم .

وحشية وهمجية القصف أجبرت أحد أكبر قيادات الجيش الأمريكي اللواء ( بوب نوجنت - Bob Nugent ) بالإستخبارات العسكرية على القول (( أنا لم أرى مشهداً مماثلاً من قبل ، ولا حتى في فيتنام ، إنه شيئاً مخزياً بالفعل )) .

الطيارون الأمريكيون إعترفوا فيما بعد بأنهم كانوا يهبطون ليقلعوا مرة أخرى بمجرد إعداد طائراتهم وتذويدها بالصواريخ والقنابل دون الحصول على راحة ، وشبهوا عملية قصفهم لرواد الطريق الدولي بعملية إصطياد الديكة الرومية ، نظراً لعدم وجود مقاومة بتاتاً من العربات المستهدفة .

إن هذه المذبحة لتعد أحد الأمثلة على وحشية ودموية أبناء العم سام ، الذين لم يلتزموا بأبسط قواعد القانون الدولي الذي يمنع بشكل قاطع قتل الجنود المنسحبين من جبهات القتال وتحرمه تماماً في حالة وجود مدنيين مرافقين لتلك القوات كما حصل في مجزرة طريق الموت .

 

ملجأ العامرية :

 

يقع ملجأ العامرية بالضاحية الغربية من العاصمة العراقية بغداد ، كانت شركة فنلندية قد بنته في عام 1984 خلال الحرب العراقية - الإيرانية .. لوقاية المدنيين العراقيين من الغارات الإيرانية .

الملجأ كان قد بُني على أحدث مواصفات ذلك الوقت ، فسمك السقف كان يبلغ مترين من الأسمنت المسلح بقضبان فولاذية والبوابات الحديدية تزن الواحدة منها خمسة أطنان وكان يتسع لحوالي 1300 لاجيء .

بتاريخ 14 - 2 - 1991 وبعد مضي شهر كامل على بدء القصف الهمجي للعراق قامت طائرات أمريكية بإرسال قاذفتين موجهتين بالليزر ، الأولى كانت بإتجاه فتحة التهوية الرئيسية والتي أصابت هدفها دون أدنى خطأ لتصنع فتحة في سقف الملجأ وتمنع عمل الأبواب وتسمح للصاروخ الآخر بالمرور إلى قاطني الملجأ ( جريمة قتل متعمدة للمدنيين نساء وأطفال وشيوخ مع سبق الإصرار والترصد ) .

الإنفجار حول الملجأ إلى فرن لطهي البشر خصوصاً مع إرتفاع درجة الحرارة إلى مايقرب من 2000 درجة مئوية

مواسير المياه بالملجأ تحطمت ومنسوب المياه إرتفع إلى خمسة أقدام أي أن ذلك يعني بأن جميع مستلزمات طهي البشر أصبحت متوفرة ، والشكر للعم سام .

آثار أيادي وأرجل ووجوه الضحايا مازالت موجودة على جدران الملجأ حتى هذه اللحظة لتروي قصة أبشع عملية إبادة للمدنيين بحق أمة كانت جزءاً من وطننا العربي .

بشهادة من كانوا يقطنون قرب الملجأ من سكان بغداد فإن عدد من كانوا نائمين في الملجأ في تلك الليلة 1186 عراقي من الأطفال والنساء .

عدد الناجين من هذه الجريمة الأمريكية كان 14 شخص فقط !!

الولايات المتحدة الأمريكية حاولت التستر على فعلتها النكراء عن طريق الإدعاء بأن ملجأ العامرية كان قاعدة عسكرية عراقية وهو ما كذبته شاشات التلفزة وشهود العيان من جميع جنسيات العالم مما إضطرها لإعلان خطأها في ضرب الملجأ بالعامرية .

( مايرد ماغوير - Mairead McGuire ) الأيرلندية الحائزة على جائزة نوبل للسلام قالت :

(( عندما زرت العراق سألت نفسي ، ماذا سوف أقول لأولادي في المستقبل عندما يسألونني عما صنعت لأطفال العراق وهم يموتون أمام عيني ؟ )) ... ايرلندية ويقضي مضجعها قلقها من إحتمالية سؤالها من قبل أطفالها عن دورها في منع ذبح أطفال العرب ، في حين أن العرب أنفسهم لا يقلقهم سوى الرد على سؤال واحد فقط وهو :

من سيربح المليون ?

 

يتبع ...


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات