الفصل الرابع
تمييز الإرهاب من نشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومة
كثيرا" ما يخلط مفهوم الارهاب بأنشطة حركات التحرر مما يستلزم التمييز بينهما احتراما للانشطة التي تساهم في تقرير مصير الشعوب واستقلالها وعدم السماح للدول والانظمة المستعمرة ان تتذرع بمواجهة الارهاب في القضاء على هذه الحركات وابادتها .
والتاريخ حافل بالمجازر التي نفذتها الدول الاستعمارية وراح ضحيتها الاف المقاومين ونشطاء حركات التحرر . فقد تميزت الفترة التي صاحبت الحرب العالمية الثانية بأنتشار حركات المقامة لمواجهة الاحتلال النازى لاسيما في فرنسا . ففي عام 1939 واستنادأ لاحكام محكمة لاهاي لم يتمتع بصفة المحاربين غير حركات المقاومة المنظمة واستغلت المانيا النازية هذه الثغرة وأعتبرت افراد المقاومة ارهابيين واعدمت كل من وقع في قبضتها . هذا وتبدوا مشكلة التمييز عسيرة في بعض المواقف تجاه حركات التحرر والمقاومة فالذين يؤيدون هذه الحركات يرون أن انشطتها كافة لاسيما تلك التي تتسم بالعنف تعد وسيلة مشروعة لانتزاع حقوق الشعوب ونيل مطالبها . بينما يرى الجانب الاخر ان انشطة هذه الحركات حتى تلك التي لاتتسم بالعنف غير مشروعة واعمالآ ارهابية . ازاء ذلك نجد ان من المناسب البحث في مفهوم حركات التحرر أو المقاومة .
المبحث الاول
مفهوم حركات التحرر الوطني
من الصعب وضع تعريف جامع لمفهوم حركات التحرر الوطني غير ان بعض الفقهاء سعى في هذا المجال فقد ذهب الدكتور صلاح الدين عامر الى القول بأن اعمال المقاومة الشعبية المسلحة (( عمليات القتال التى تقوم بها عناصر وطنية من غير افراد القوات المسلحة النظامية دفاعا عن المصالح الوطنية أو القومية ضد قوى اجنبية سواء كانت تلك العناصر تعمل في اطار تنظيم يخضع لاشراف وتوجيه سلطة قانونية أو واقعية أو كانت تعمل بناء"على مبادرتها الخاصة سواء باشرت هذا النشاط فوق الاقليم الوطني أو من قواعد خارج هذا الاقليم )) .
غير ان من الفقهاء من وضع عناصر معينة مميزة لحركات التحرر الوطني من غيرها من الحركات الانفصالية او الإرهابية ,ومن هذه العناصر:
1-ان الهدف من حركات التحرير الوطني هو تحقيق التحرر .
2- وجود الاراضي الداخلية او الخارجية التي تسمح للحركات ان تباشر عملياتها العسكرية بمعنى ان توجد مناطق محررة تقيم عليها مؤسساتها الادارية والتعليمية والعسكرية .
3- ان يتعاطف الشعب مع حركات التحرير والمقاومة وتلقى دعما وتأيدا واسعا من المواطنين .
4- يجب ان تتسم اهداف حركات التحرير بدافع وطني يتجاوب ويتلائم مع المصلحة الوطنية العليا وهوما يميز حركات التحرير عن الاعمال التي تستهدف مصلحة خاصة لبعض الفئات من المواطنين أو تنافس أو تناحر للسيطرة على السلطة أو فرض فلسفة معينة . أو الحرب من اجل انفصال اقليم معين أو جزء من الدولة ,ومن الجدير بالذكر ان القانون الدولي يبيح لرجال المقاومة اللجوء الى كل الوسائل الممكنه لانهاك قوات الاحتلال ومنها بطبيعة الحال الحق في استخدام العنف كما يمكن ان تكون المقاومة مدنية لاعسكرية .
المبحث الثاني
الاعتراف الدولي بشرعية أنشطة حركات التحرير
أن المقاومة الشعبية للاحتلال ظاهرة حفل بها التاريخ وميزة تتباها بها الشعوب العريقة . وقد احترم المجتمع الدولي هذا الحق في اكثر من مناسبة . فقد اكدت اتفاقية لاهاي وجوب معاملة اعضاء حركات المقاومة المنظمة كأسرى حرب في حال اعتقالهم .
وفي الثلاثين من تشرين الثاني عام 1970 اصدرت الجمعية العامه للامم المتحدة قرارها المرقم 2672 والذي شجب انكار حق تقرير المصير ، ولاسيما على شعبي جنوب افريقيا وفلسطين )).
وقد تضمن هذا القرار لاول مرة احترم شرعية كفاح شعوب الرازحة تحت الهيمنة الكولونيالية والاجنبية ، والمعترف بحقها في تقرير لاسترداد هذا الحق باي وسيلة في حوزتها في التاسع من كانون الاول اكدت الجمعية العامة للامم المتحدة على وجوب معاملة المشاركين في حركات المقاومة كأسرى حرب عند القاء القبض عليهم ، وفقأ لمبادىء اتفاقية لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف 1949 .
كما اكتسب هذا الاعتراف بعدا جديدا عندما دعت الجمعية العامة في قرارها المرقم 2787عام 1971 جميع الدول المخلصه لمثل الحرية والسلام ان تقدم الى هذه الشعوب جميع مساعداتها السياسية والمعنوية والمادية .
وفي الثامن عشر من كانون الاول عام 1983 اعتبرت الجمعية العامة النزاعات المسلحة التى تنطوي على كفاح تشنه الشعوب على الهيمنه الاستعمارية والانظمة العنصرية (( نزاعات مسلحة دولية )) ضمن الاطار الذي تحدده اتفاقيات جنيف ، وبالتالي ينطبق وصف المتحاربين وفقأ لهذه الاتفاقيات على الافراد المشاركين في النظال المسلح ضد الهيمنه .
ازاء ذلك ايد المجتمع الدولي هذا الاتجاه ولاقى ترحيبأ في مختلف الدول بحكم انه الواجب ومن الدول التي ايدته ببريطانيا واللولايات المتحدة الأمريكية قد نصت الأخيرة في تشريعاتها على ثورات الهروب أو انتفاضات الحروب WarRebellions فقد ورد في المادة العاشرة من قانون الحرب البرية الامريكية (( ليس لمحارب الحق في ان يعلن انه سيعامل كل من يقبض عليه ضمن القوات المسلحة لجماعات الشعب الثائر في وجه العدو معملة الشريك في عصابة لصوص أو معاملة اللص المسلح )).
المبحث الثالث
انواع الكفاح المسلح
ميز فقهاء القانون الدولي بين ثلاثة انواع من النزاعات المسلحة : النزاعات المسلحة الداخلية والنزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية :
أولا"النزاعات المسلحة الداخلية
يقصد بهذا النوع من النزاعات الحروب الاهلية . وقد نصت المادة الرابعة الفقرة الثانية من البروتكول الثاني لعام 1977 الملحق باتفاقية جنيف لعام 1949 والمتعلق بضحايا النزاعات غير الدولية الواقعة بين القوات المسلحة التابعة لدولة ما وقوات مسلحة منشقه عنها ، أو جماعات نضامية تحت قيادة مسؤولة عن جزء من لاقليم ,على منع اعمال الارهاب ضد الذين لايشركون مباشرة في العمليات العدائية.
وقد عد القانون الدولي المشتركين في مثل هذه النزاعات محاربين ينطبق عليهم وصف اسرى حرب غير انه اعتبر الاعمال التي يمارسها احد الطرفين ضد الاشخاص الذين لايشتركون مباشرة أو الذين يكفون عن الاشتراك في العمليات الحربية اعمالآ ارهابية .
ثانيا"النزاعات الدولية المسلحة
يقصد بالنزاع الدولي المسلح الحرب التي تندلع بين دولتين مستقلتين وجيشيين نظاميين وتخضع الحرب الى قانون أو اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وهنا تظهر الاعمال الارهابية في ثلاثة صور :
1-جرائم الحرب
2-جرائم ضد الانسانية
3-جريمة ابادة الجنس البشري
ويظهر الارهاب في هذه الجرائم من خلال لجوء العسكريين الى العنف المسلح غير المشروع وخرق قواعد القانون الدولي المتعلقة بحماية المدنيين أو تلك النصوص المتعلقة بحماية المنشأت الثقافية من التدمير والاتلاف والسرقة وحماية المنشأت التي تحوي قوى خطرة كالسدود والجسور والمحطات النووية الوارد النص عليها في المادة 46 من البروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 والنصوص المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب وعدم تعذيبهم الواردة في المادة في المادة 12 من الاتفاقية الاولى والثانية لعام 1949 .
ثالثا"النزاعات المسلحة غير الدولية
يقصد بهذه الفئة من النزاعات تلك التي تقوم عادة بين جيش نظامي أو اكثر في مواجهة حركات التحرر وطني أو حركات ثورية خارج اقليم دولتها أوداخله . وهنا تكون حركات التحرر تحت حماية وسلطات القانون الدولي ويسري عليها ما يسري على النزاعات المسلحة من احكام شريطة التقيد باحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية 0وهنا لابد من القول بأن القواعد التقليدية لقانون الحرب كانت تميز بين فئتين من الناس المحاربين الذين تتكون منهم القوات المسلحة, وغير المحاربين الذين يمثلون السكان المدنين واثير النقاش حول السكان المدنيين وما اذ1 كان يمكن الاعتراف لهم بصفة المحاربين. عالج القانون الدولي هذه لمسألة من خلال تقسيم هؤلاء الى فئتين :
الأولى / تتعلق بهبة الشعب في وجه العدو بناءا على دعوة حكومتهم وانظمامهم الى التنظيمات العسكرية النظامية التي تنشبها الدولة للدفاع عن الوطن أو انظمامهم طوعأ بناءا على شعوره الوطني وحملهم للسلاح للتصدي للغازي .
والثانية / تتعلق بفصائل المتطوعين أو قوات التحرير وهي التي تتكون من افراد يشتركون طوعأ في العمليات الحربية دون ان يكونوا من وحدات الجيش النظامي وفيما يلي نبين وجة نظرالوثائق والاتفاقيات والمواثيق لهاتين الفئتين المقاومتين .
1-اتفاقيات لاهاي 1970
اعترفت المادة الثانية من اللائحة الملحقة بأتفاقية لاهاي بصفة المحربين للسكان المدنين الذين يندفعون في مقاومة المعتدي دون ان يكون لهم الوقت في تنظيم صفوفهم . وعرفت الشعب القائم أو المنتفض في وجه العدو (( مجموعة المواطنين من سكان الاراضي المحتلة الذين يحملون السلاح ويتقدمون لقتال العدو ، سواء كان ذلك بأمر من حكومتهم أو بدافع من
وطنيتهم أو واجبهم )) . ومن ثم اعترت هذه لاتفاقية هؤلاء المواطنين من قبيل القوات النظامية تنطبق عليهم صفة المحاربين شريطة ان يتوافر فيهم شرطين :
ا. حمل السلاح علنا"
ب. التقيد بقوانين الحرب واعرافها
أما فيما يتعلق بالملشيات والمتطوعين من قوات التحرير فقد عالجت امرهم المادة الاولى من اللائحة الملحقة بالاتفاقية الرابعة للعام 1907 والتى تمنح افراد هذه الملشيات صفة المحارب النظامي ، اذا توافرت فية الشروط الاربعة التالية :
ا.ان يكونوا تحت أمرة شخص مسؤول .
ب.ان يحملوا علامه مميزة ثابتة يمكن تبينها عن بعد .
ج. ان يحملوا السلاح علنأ
د. ان يراعوا في عملياتهم قوانين الحرب واعرافها .
2- اتفاقيات جنيف لعام 1949
اصرت الدول الاستعمارية عند وضع هذه الاتفاقيات على ايراد عبارة حركات المقاومة المنظمة بغية تضييق الخناق على الثورات المسلحة ضد سلطات الاحتلال وقد اكدت المادة 44 من البروتكول الاول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف 1949على ضرورة توافرشرطي وضع اشارة مميزة وحمل السلاح علنا"للاستفادة مما يقره القانون الدولي من حماية .
ولا يخفى ما فيى هذه الشروط من اجحاف بحق المقاومة والتي يتسم نشاطها غالبا بالسرية كما ان حمل السلاح علنا" لم يعد امرا"معقولا في عمليات الحروب الحديثة .
لذلك وجد الكثيرون ان الشرطين المتعلقين بالشارة المميز وحمل السلح علنا" لم يعد يشكلان قيدين واجبي الاحترام وقد تفهمت المحاكم المنشأة بعد الحرب العالمية الثانية هذه الصعوبات فأتخذت موقفأ لينأ تجاه حركات المقاومة التي لم تلتزم كليأ بهذه الشروط .
يتبع ...
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر