حقوق الإنسان في فکر الإمام الخامنئي (2)

الفصل الثاني: حقوق الإنسان في الغرب

الملف الأسود للغرب في مجال حقوق الإنسان

للغربیین الیوم ملف أسود و أیدي سوداء في مجال حقوق الإنسان، و مع ذلك یریدون أن یعلموا العالم الإسلامي ما هي حقوق الإنسان و ما هي حقوق المرأة و یدعوهم للسلام! الذین أشعلوا في غضون عشرین سنة حربین عالمیتین و قتلوا الملایین من البشر، و الذین صنعوا القنبلة الذریة و قتلوا بها آلاف البشر، و الذین ارتکبوا في أفریقیا و أمریکا اللاتینیة و آسیا کل هذه الجرائم و قتلوا البشر هناك، و جرائمهم هذه لا تنسی أبداً – لن ینسی أحد البریطانیین في الهند، و لا الفرنسیین في الجزائر، و لا غیرهم في البلدان الأخری – و الذین حرضوا صدام حسین و أمدّوه بالأسلحة الکیمیاویة أصبحوا الآن شرطة تسیطر علی الأسلحة الکیمیاویة في العالم! کما لو أن أکبر المهربین یصبحون مسؤولین عن مکافحة التهریب!

الانتهازیة باسم حقوق الإنسان

الأجهزة الإعلامیة التابعة للصهیونیة و أمریکا، و التابعة في الواقع للرأسمالیین الناهبین الدولیین و غالباً ما تکون وسائل الإعلام ملکاً لهم، یخدعون البشریة الیوم، و یتظاهرون بالدفاع عن الدیمقراطیة و الحال أنهم یکذبون مائة بالمائة. و یتظاهرون بالدفاع عن حقوق الإنسان بینما هم یتحدثون بخلاف الواقع مائة بالمائة و یکذبون بالکامل. الشيء الذي لا تفکر به هذه الشرکات و الکارتلات الدولیة و لا تعیر له أدنی احترام هو حقوق الشعوب و حقوق الإنسان.

المرأة في الرؤیة الغربیة

لاحظوا أن المرأة لم یکن لها في أوربا و في البلدان الغربیة إلی ما قبل فترة حقوق مالیة. في بدایة القرن العشرین و رغم کل تلك المزاعم و الادعاءات التي أطلقت، ورغم ذلك السفور العجیب الغریب الذي تفاقم في الغرب باستمرار، و مع ذلك الاختلاط الجنسي المنفلت اللامتناهي الذي کانوا یعدونه احتراماً و قیمة للمرأة، إلّا أن المرأة لم یکن لها استخدام الثروة التي تمتلکها بحریة! لم تکن تمتلك مالها مقابل زوجها. أي إن المرأة التي تتزوج ستکون ثروتها و أملاکها و مالها لزوجها، و لا یحق لها التصرف في ممتلکاتها. إلی أن منحوا تدریجیاً حق الملکیة و حق العمل للمرأة حتی أوائل القرن العشرین. هذه القضیة من أبسط حقوق الإنسان لکنهم حرموا المرأة منها. إننا ندین العالم الغربي الذي أهان المرأة الإنسان طوال کل هذه العصور الماضیة و إلی الیوم.

قیم المجتمع الأمریکي

ما تتصورون ((القیم الأمریکیة))؟ یطرح الأمریکیون مبادئ معینة علی أنها المبادئ الأمریکیة و یقولون هي مبادئ عالمیة شاملة. المبادئ هي حریة الإنسان و حریة الفکر، و کرامة الإنسان و حقوق الإنسان و ما إلی ذلك. هل هذه مبادئ أمریکیة؟! هل هذه هي خصائص المجتمع الأمریکي الیوم؟! و هل هذه سمات الحکومة الأمریکیة في الوقت الحاضر!؟ ألیست هذه الحکومة هي التي أبادت سکان أمریکا الأصلیین؟ ألیست هي التي أبادت الهنود الحمر؟ ألیست هذه الحکومة و العناصر المؤثرة فیها هي التي أخذت ملایین الأفارقة من داخل بیوتهم لتستعبدهم، و أختطفت بناتهم و فتیانهم للرقّ، و تعاملت معهم لسنین طویلة في إطار أفظع الفجائع؟ من أکثر الأعمال الفنیة مأساویة الیوم عمل عنوانه ((کوخ العم توم)) الذي یصوِّر حیاة الرق في أمریکا، وهو عمل لا یزال حیاً رغم مضي ما یقرب من المائتین عام علیه. هذه هي حقیقة أمریکا و الحکومة الأمریکیة. هذا هو النموذج الذي عرضه النظام الأمریکي علی العالم... لیس فیه حریة للإنسان، و لا مساواة بین أبناء البشر. أیة مساواة؟! لا تزالون لا تعملون بالمساواة بین الأسود و الأبیض. لا یزال العرق الأحمر إلی الیوم یعدّ لدیکم نقطة ضعف لدی الشخص عند التوظیف الإداري. یقولون إن المبادئ الأمریکیة عالمیة شاملة. و من أنتم حتی تسمحوا لأنفسکم بوضع مبادئ عالمیة شاملة لکل الإنسانیة؟ أي منطق هذا الذي یقول إن مبادئنا مبادئ عالمیة شاملة و من لم یقبلها في العالم یجب أن نقصفه بالقنابل. هل هذا منطق شعب حر؟! هل هذا منطق حکومة تؤمن بکرامة الإنسان حقاً؟! هکذا یکذبون علی البشریة؟!

أکذوبة مناصرة حقوق الإنسان

من الذي لا یعلم أن شعار الدفاع عن حقوق الإنسان و الدیمقراطیة الذي یطلقه ساسة البیت الأبیض لیس إلّا خداع و کذب مفضوح؟

النظام الأمریکي الذي ارتکب أکبر عدد من الاغتیالات طوال الأعوام المتمادیة، و مارس أشد أنواع العداء للحکومات المستقلة في آسیا و أفریقیا و أمریکا الجنوبیة، دافع عن أکثر الحکومات الانقلابیة المفروضة رجعیةً، و صدّر أکبر الکمیات من الأسلحة الفتاکة إلی جمیع أنحاء العالم، و أوفد أخطر الإرهابیین إلی میادین عملهم أو ربّاهم و رعاهم في أحضانه و قتل و خضّب أکبر عدد من الأبریاء العزّل بدمائهم، و حرم أکثر شعوب العالم مظلومیةً - أي الشعب الفلسطیني - من حقوقه الإنسانیة الطبیعیة، و قدم لأفظع الأنظمة في العالم أي النظام الصهیوني أعظم المساعدات و حافظ علی النظام البهلوي الفاسد المتجبر لعشرات السنین و مارس أبشع الخیانات و الجفاء ضد شعب إیران علی الصعد الاقتصادیة و العسکریة و السیاسیة، و الآن یتهم النظام الإیراني الشعبي المستقل الحرّ بمناصرة الإرهاب و انتهاك حقوق الإنسان و إنتاج أو بیع الأسلحة!

الحکومة الأمریکیة منذ عام 1945 م و إلی الیوم ساهمت في إسقاط أربعین حکومة مستقلة لم تکن تابعة لأمریکا، و تدخلت عسكرياً في أكثر من عشرين حالة! و قد رافقت كل هذه التدخلات بلا استثناء مجازر جماعیة و فجائع کبری. و قد نجحوا في تحقیق أهدافهم في بعض الأحیان و لم ینجحوا في أحیان أخری. و من الأمثلة علی ذلك القصف النووي للیابان في نهایة الحرب العالمیة الثانیة، و حرب فیتنام، و تلك الحروب الدامیة، و الفجائع التي لا تنسی التي انتهت بإخفاق أمریکا. و هناك أیضاً مثال تشیلي، و مثال إیران نفسها في إنقلاب 28 مرداد – حیث جاء المأمور الأمریکي إلی طهران و عمل و خطط، ثم أعلنوا هم أنفسهم عن ذلك و نشروا وثائقه المتوفرة الآن للجمیع – و کذا الحال في العدید من الأماکن الأخری.

السبب وراء کل ذلك هو الشرکات الاقتصادیة الکبری، و أصحاب المال الکبار في أمریکا، و الأحزاب المتعطشة للسلطة، و مجامیع النفوذ الصهیونیة، و الشخصیات المعیوبة فکریاً و أخلاقیاً ممن یمسکون بأیدیهم زمام الأمور. إنه ملف جد ثقیل، و ماضٍ جد مخز. هذه لیست بالأمور الصغیرة. لیس مهماً بالنسبة لهؤلاء سحق البشر، و الثروات، و العدالة و غیر ذلك من الفجائع الإنسانیة. أيّ من هذه الأمور لا تقف عقبةً في طریقهم. طبعاً من أجل حفظ ظاهرهم الأنیق یستخدمون إمکاناتهم الإعلامیة المکثفة. عبّر البعض عن ذلك بــ ((الصوت الأعلی))، وهو تعبیر صائب. یحاولون بأصواتهم الأعلی تنظیم الأجواء في العالم بحیث یعتّمون علی الفجائع التي یرتکبونها و يظهرون أنفسهم بوصفهم مناصرین للسلام و الدیمقراطیة، و حقوق الإنسان.

في زمان رئاسة جورج بوش الأب و نتیجة للظلم الجلي الذي مورس ضد الزنوج نشبت اضطرابات هائلة في بعض الولایات الأمریکیة، و لأن الشرطة لم تستطع مجابهة الحدث، نزل الجیش إلی الساحة. وفي عهد رئیس الجمهوریة الأمریکي التالي تجمع أکثر من ثمانین شخصاً من فرقة الداودیین – وهي فرقة مسیحیة تعارض سیاسات الحکومة الأمریکیة – في بیت من البیوت و لم یخرجوا منه رغم إنذار الشرطة، و إذا بهم یحرقون هؤلاء الثمانین شخصاً بالنار وهم أحیاء أمام أنظار الرجال و النساء و الأطفال. و مع ذلك لم یصدر عنهم أي رد فعل! هذه هي مراعاتهم لحقوق الإنسان! في عهد رئاسة جمهوریة جورج بوش الإبن قتلت أمریکا في شمال أفغانستان – حینما احتلوا هذا البلد – عدداً کبیراً من السجناء في أحد السجون حینما فتحوا النار علیهم، هذا ما عدا القنابل التي ألقتها علی رؤوس الأهالي العزّل و الفجائع التي ارتکبتها في المدن. و انتشر الخبر في العالم لکن الامبراطوریات الخبریة لا تسمح ببقاء مثل هذه الأخبار و رسوخها في أذهان الناس. لذلك لملموا الخبر فوراً. انتهاك حقوق الإنسان من قبل الأمریکیین في أمریکا نفسها أكثر من أي مکان في العالم. لکنهم مع ذلك یتهمون شعب إیران، و الحکومة الإیرانیة، و النظام الإسلامي بانتهاك حقوق الإنسان! یرفع رایة حقوق الإنسان أناس هم أنفسهم أکبر منتهکي حقوق الإنسان!

أوربا أکبر منتهك لحقوق الإنسان

الحکومات الأوربیة ارتکبت طوال القرن الأخیر أکبر و أکثر انتهاکات حقوق الإنسان. و حتی لو نظرنا للمسألة فیما یتعلق بما قبل المائة عام الأخیر لکان الأمر کذلك. في غضون المائة سنة الأخیرة علی الأقل أشعل هؤلاء السادة الأوربیون حربین عالمیتین زاخرتین بالمفاسد. إشعال حربین عالمیتین طاحنتین أمر یعود إلی عشرات الأعوام الماضیة، و لکن حتی في الزمن الراهن، من الذي أوجد مصانع الأسلحة الکیمیاویة في العراق بکل ما أفرزته من فجائع؟ البلدان الأوربیة نفسها. من الذي أنشأ التأسیسات النوویة لإنتاج قنبلة ذریة في العراق من أجل تهدید المنطقة برمتها؟ إنها البلدان الأوربیة. من الذي یمهّد و یبرّر لجرائم إسرائیل و هي ترتکب جرائمها یومیاً؟ هذه البلدان الأوربیة نفسها.

حقوق الإنسان الإنجلیزیة

أشاع الإنجلیز عن أنفسهم في العالم أنهم أهل تسامح و مرونة. لقد شاهد العالم تسامح الإنجلیز في العراق! الدخول إلی بیوت الناس بالبنادق، و إفساد حیاتهم الآمنة، و إبکاء الأطفال الصغار بإرعابهم، و فتح النار علی مظاهرات الناس في بغداد و الموصل و المدن الأخری التي لم نتلقّ أخبارها. هذه هي دیمقراطیتهم و صفحهم، و إنسانیتهم، و رعایتهم لحقوق الإنسان! هذه مشاهد للعبرة یجب أن نفهمها.

الفصل الثالث: إیران و حقوق الإنسان

حقوق الإنسان في نظام الجمهوریة الإسلامیة

حقوق الإنسان تضمن في ظل الإسلام و الحكومة الإسلامیة. الإسلام هو الذي یقول: ((إن الحکم إلّا لله أمر ألا تعبدوا إلّا إیاه)).

هذا الحکم یلغي أیة حکومة ظالمة. لیس من حق أحد أن یحکم الناس، إلّا إذا کان یتمتع بمعاییر مقبولة و یکون الناس قد وافقوا علیه. الإسلام نصیر لحقوق الإنسان. ما من مدرسة ترفع مکانة الإنسان و قیمته بقدر ما یفعل الإسلام. من المبادئ الإسلامیة التي تطرح دوماً في تعریف الإسلام مبدأ ((تکریم الإنسان)). حقوق الإنسان یمکن الدفاع عنها و یمکن أن تعد حقوقاً للإنسان في ظل الإسلام. الإسلام هو الذي دافع بأحکامه – کل أنواع الأحکام... سواء الأحکام القضائیة و الجزائیة أو الأحکام المدنیة، و الحقوق العامة و القضایا السیاسیة – عن حقوق الإنسان، و لیس ما یقولونه و یسمونه خداعاً حقوق إنسان.

تتهم البلدان الغربیة الجمهوریة الإسلامیة بأنها لا تراعي حقوق الإنسان. و یقصدون بذلك تطبیق الحدود الإسلامیة باعتبار أن جمهوریة إیران الإسلامیة تطبق الحدود الإسلامیة. یقول القرآن: ((و تلك حدود الله و من یتعد حدود الله)). الله یتهدد کل من یتعدّ حدوده.

نظام الجمهوریة الإسلامیة یناصر حقوق الإنسان و لا یقعد لینتظر الغربیین یأتون و یعلمونه حقوق الإنسان أو یوصونه بالالتزام بحقوق الإنسان! الجمهوریة الإسلامیة تلتزم بحقوق الإنسان بدافع من دساتیر الإسلام، لأن ذلك من مبادئ الإسلام. لکن الشيء الذي یطرحه أولئك مجرد خداع و کذب. ذاك عن مناصرتهم لحقوق المرأة، و هذا عن مناصرتهم لحقوق الإنسان! المستکبرون و المستبدون و ناهبو العالم و غیر الآبهین لحقوق الشعوب و ساقحو مصالح الشعوب الضعیفة، و محتلو أراضي البلدان الضعیفة یرفعون الیوم رایة ما یسمی الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق المرأة! واضح أن الشعوب المسلمة لا یمکنها الاکتراث لهذه الأقاویل. إنها لمفخرة لأحکام الإسلام النیرة أن تستطیع المرأة المسلمة التعبیر عن نفسها بشجاعة و استقلال في هذا العصر و في عالم يضجّ بأمواج الإعلام الخاطئ المنحرف من کل الجهات. هذه من برکات الإسلام. التربیة الإسلامیة و الثوریة للمرأة المسلمة مبعث فخر و مباهاة للجمهوریة الإسلامیة.

يتبع ...


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات