مؤخرا انتهی إعداد الملف المتعلق بقيام صدام بقتل مئة ألف من أکراد شمال العراق فيما عرف بقضية الأنفال وقدم هذا الملف إلی المحکمة لتنظر فيه خلال إحدی جلساتها المخصصة لمحاکمة صدام .
وانطلاقا من أن دور منظمة المجاهدين ( جماعةالمنافقين ) في هذه المجزرة غير قابل للإنکار ، وبالنظر إلی وجود معلومات کافية عن الزوايا الخفية لهذه الجريمة الکبيرة التي قامت بها منظمة رجوي الإرهابية ، ومن أجل تقديم توضيحات وحقائق مفيدة عن هذا الموضوع نقدم لکم حوارا مع أحد المنشقين عن المنظمة والذي شارک في العمليات الإرهابية التي عرفت بقضية الأنفال في العام 1991 :
• في البداية عرفنا عن نفسک وعن کيفية دخولک إيران .
- اسمي غلام رضا يوسفي ، التحقت بالمنظمة في العام 1989 وبقيت هناک 15 عاما ، وفي شهر مايو (آيار) من عام 2004 التجأت إلي أحد معسکرات الأمريکيين في العراق، واليوم مضي لي 5 أشهر في إيران وطبعا عودتي إلي إيران کان بطوع إرادتي .
• في العام 1991 وأثناء حرب الخليج الثانية کانت القوات العراقية متمرکزة في جنوب العراق ، في تلک الفترة جرت عملية مرواريد (الأنفال) ضد الأکراد ، وحرکة الأکراد هذه الساعية إلی الإستقلال في الشمال کان يجب أن تقمع ويقضي عليها بشکل من الأشکال ،وبالنظرإلی ضعف حکومة بغداد في الشمال ، ماذا کان دور منظمة المجاهدين باعتبارها ذراعا عسکرية للدولة المرکزية في شمال العراق ؟ هل أعطي صدام أوامر مباشرة لبدء العمليات أم أن قيادات المنظمة هي التي اقترحت تکليفها القيام بهذه العملية ؟
- في العام 1991 و في نهاية حرب الکويت کانت القوات العراقية مشتتة تماما وحتي في الجنوب لم يکن هناک حجم يذکر من القوات، وبالإضافة إلي شمال العراق کان هناک ثورات ضد صدام في مدن الناصرية والبصرة والکوت .
لقد تبعثر جيش صدام والجزء الأکبر من أفراده بعضهم قتل في المعارک والبعض الآخر لاذ بالفرار وترک الجيش ، والأکراد في ذلک الوقت الذين کانوا يحاولون منذ سنوات الحصول علي حقوقهم الاجتماعية عمدوا إلی التحرک باتجاه مدن کرکوک وخانقين وکلار ليتمکنوا بعدها من الوصول إلي بغداد ، وفي تلک الظروف کانت قوات المنظمة متمرکزة في منطقة تسمي نوجول تقع بالقرب من مدينة الکفري ، عند بداية الهجوم کان فحوی تبريرات المنظمة أن القوات التي سنواجهها هم جنود أتوا من إيران بقصد مهاجمتنا ، وبهذا الأسلوب بدأت المواجهة الأولی مع الأکراد في مدينة توز أولئک الأکراد الذين جاؤوا من أجل التفاوض .
في ذلک الوقت کنت في مجموعة حراسة قيادة المحور ، بعد مدينة توز انتقلت المواجهات إلی مدن سليمان بک والکفري وبعد تلک المواجهات تحرک أکثر قوات المنظمة إلی معسکر أشرف وهناک وبعد إعادة التجمع و التنظيم جاءت الأوامر لنتحرک إلي مدينة جلولا .
حينها قال لنا قادة المنظمةأنه بعد هزيمتنا للقوات الإيرانية سوف نتحرک باتجاه الحدود ، لکن الحقيقة لم تکن کذلک أبدا فصدام ورجوي اتفقا علی القضاء علي حرکة الأکراد في شمال العراق وارتکاب مجازر بحقهم .
• هل کانت المعلومات التي لديک باعتبارک أحد أفراد حرس قادة المنظمة تختلف عن المعلومات لدی عناصر المنظمة الآخرين ؟ أرجو أن توضح لنا الإتفاق الذي عقد بيد صدام ورجوي قبل بدء العمليات ، وما هي الامتيازات التي کانت ستعطی للمنظمة مقابل هذه الخدمةالکبيرة التي ستقدمتها لصدام؟
- في ذلک الوقت أثناء سير العمليات وحتی قبل ذلک أنا أيضا لم أکن أعرف الکثير من الأشياء ولکن باعتبار أني کنت في مجموعة حراسة قيادة للمحور وأننا کنا نغير مکان المحور وننقله إلی أماکن مختلفة فعلمنا من خلال ذلک أن هذه العمليات کانت تتم بالتوافق والتنسيق مع القوات العراقية والأمور کانت تسير بحسب أوامرهم، مثلا أثناء المواجهات في مدينة توز کانت الأوامر تصل إلي قائد العمليات في المنظمة من قبل أحد الضباط العراقيين الذي کان برتبة لواء وهو نفسه کان ينسق مع المدفعية العراقية ، لأنه کان من المقرر أن تقوم المدفعية العراقية بالتمهيد لقوات المنظمة وتغطيتها ،في اليوم التالي لذلک ليوم تحرکنا باتجاه مدينة الکفري التي لم ندخلها بل بدأت المواجهات علی مشارفها ، وکذلک في عمليات تغيير مکان قيادة المحور کان ذلک القائد العراقي يتردد علی معسکر أشرف ليوجه الأوامر لرجوي ، في الحقيقة لم يکن هناک أي قوات للعراقيين في المنطقة حتی تحارب الأکراد ولکن الخطة العامة کما قلت کانت توضع من قبلهم .
• کم کانت المسافة بين معسکر أشرف وأول نقطة مواجهة؟
مکان عناصر المنظمة منتشرين في منطقة الکفري ونوجول و کان من المقرر أن يتحرکوا باتجاه معسکر أشرف ، في تلک المناطق أمرونا بالقتال وکانت المواجهات الأولی.
لوکانت تلک القوات قوات إيرانية لانتهت المواجهات في نفس تلک المناطق ، ولکن هناک سؤال هنا وهو لماذا أمرت القوات بالعودة مجددا إلی معسکر أشرف وبعد إعادة التجمع والتنظيم قامت بالمشارکة بمواجهات في مدن الخالص وبعقوبة وجلولا وبعدها في خانقين وکلار ؟
هنا يجب أن أقول :کيف يمکن أن تکون هذه القوات قد جاءت من إيران و سلسلة هذه المدن جغرافيا لا تنتهي إلي الأراضي الإيرانية ، مع العلم أنه في نفس المنطقة لم يوجد أي قوات فيها مايشير إلی أنها قوات قادمة من إيران (مدن توز وسليمان بک ) ، جرت استعدادات واسعة في معسکر أشرف وبدأت عمليات التطهير والهجوم الرئيسي ، في تلک الأيام کانت مدن الخالص وبعقوبة وجلولا في أيدي الأکراد وقوات المنظمة بدأت بتطهير تلک المناطق من الأکراد ، أي أن بعض قواتنا تمرکزت في جهة قره تبه حتی لا نباغت في ذلک الاتجاه من جهة الکفري وتوز ، والقسم الآخر الذي کان بقيادة مهوش سبهري - الذي أصبح فيما بعد المسؤول الأول في المنظمة – فقد تحرک لتطهير مدينة الخالص وبعدها مدينة بعقوبة ثم جلولا ثم خانقين لتتوقف في منطقة کلار .
• ما هيالفترة الزمنية الفاصلة بين طلب صدام القيام بهذه العمليات وبين البدء فيها ؟
- ليس عندي علم بتلک الترتيبات ولکن کان هناک 48 ساعة بين الإعلام عن العمليات وبدء تنفيذها بشکل ضارب ، لأنه في غير هذه الصورة کان الأکراد سيتمکنون من إحکام السيطرة علی بعقوبة التي لا يفصلها عن بغداد سوی ما يقارب 50 أو 60 کيلومترا .
• بالإضافة إلی الإدعاء أن القوات التي ستواجهونها هي قوات إيرانية ما هي الأمور الأخری التي کان يستعين بها رجوي من أجل بداية العمل وتشجيع المقاتلين ،وما هي جوانب الدعم المساندة التي کان يقدمها الجيش العراقي للمنظمة ؟
- بالإضافة إلی التبريرات التي ذکرتها کان رجوي يقول أنه بسبب الأوضاع غير المستقرة في العراق فإنه علينا التحرک باتجاه الأراضي الإيرانية ، في الحقيقة کان هذا هو الدافع لحرکة المقاتلين المترددين .
في تلک الظروف وبالنظر إلي الأوضاع السائدة في ذلک الوقت وعدم استقرار المنطقة ، کان مسألة الدفاع عن النفس کحد أقل کافية لتحريک المقاتلين ، ولکن في مرحلة العمل والتطبيق فإن کثيرا من المعادلالت التي رسمت في أذهان العناصر فقدت بريقها .
کان هناک القليل من قوات المدفعية العراقية التي کانت تدعمنا بنيرانها ، کان هناک ضباط برتب ملازم و نقيب وعقيد يقومون بمساندتنا بمدافعهم من عيار 120 مم وبصواريخ الکاتيوشا .
عنما انتهت العمليات وعادت القوات کان رجوي يتحدث عن لقائه بصدام وعزت إبراهيم وأن الثاني قال في ذلک اللقاء: «عندما أردنا التحرک إلی کرکوک لم نکن نملک أکثر من 3 دبابات ، ولکن عندما رأيت لواء المجاهدين المدرع جرت الدموع في عيناي أسفا علی تلک السنوات التي کان لدينا مثل هذه القوة ولم نکن نهتم بها ».
بالإضافة إلی أنه خلال العمليات فتح لنا العراقيون مخازن الذخيرة ، وکان مجموع قوات الدعم العراقية 200 إلي 300 عنصر ، ولکن في المقابل لم يکن لدی الأکراد إلا الرشاشات وقواذف الأربي جي وعدد عناصرهم التي کانت تحمل السلاح کان أقل من عدد عناصرنا .
• بالنظر إلي أن محور العمليات کان في منطقة مرتفعات مرواريد ، فهل قامت المنظمة بتسميةالعمليات قبل البدء بها أم بعد ذلک ؟
لقد وضعت هذه التسمية بعد انتهاء العمليات وقتل الأکراد من قبل قوات المنظمة وکما ذکرت فقد جاء الاسم من اسم المنطقة التي حصلت فيها المواجهات .
• کيف کانت طبيعة الهجوم علی الأکراد ومن هم الأفراد الذين کانوا يتعرضون للهجوم وللنيران ؟
- علي ما أذکر أثناء العمليات لم يخرج الناس من بيوتهم ولکن إذا ما کان يحصل إطلاق نار من أحد المنازل کان ذلک المنزل يقصف بقذائف الدبابات دونالاهتمام باحتمال وجود نساء وأطفال داخله .
عندما بدأت العمليات کان جميع الأکراد يقاتلون قوات المنظمة ، حتی أن أصوات إطلاق الرصاص کانت تسمع من الحقول والتلال ، في الحقيقة کان الأکراد يستخدمون الأسلحة التي وزعها صدام علی العراقيين من أجل الدفاع عن العراق في حرب الخليج الثانية، ولکن في مقابل تلک الزخات من الرصاص قام المجاهدون بإحراق المزارع ، لقد کانوا يردون علي مصادر الرصاص بنيران شديدة وبأقسی شکل ممکن ، قبل دخولنا إلی إحدی القری جاء اثنين من کبار أهل تلک القرية ليتحدثوا إلی قوات المنظمة ، ولکن تم تحذيرهم بأنهم يجب أن يخلوا القرية خلال 24 ساعة ، طبعا الأکراد لم يخلوا القرية لأنه لم يکن هناک مکان آخر يلجؤون إليه .
• کم يوما بالضبط استمر الهجوم ؟
بدأ الهجوم في 21 من آذار /مارس واستمر حتي 2 نيسان/ ابريل
• ماذا کانت مکافئة صدام للمنظمة بعد هذا النصر الظاهري؟
کان لديهم معسکران في مدينة جلولا قاموا بتقديمهما للمنظمة ، وقاموا بإعادة تأهيل جميع المدرعات القديمة أو المصابة ، وتولت قوات صدام الأمور اللوجستية للمنظمة ، وکذلک أعطيت المنظمة معسکرات في البصرة والفلوجة ، لقد فتحوا أبواب مستودعاتهم للمنظمة وکنا نستخدم مصفحاتم وآلياتهم ، کما أنه أعطی أموالا لرجوي وقد علمنا ذلک فيما بعد ، طبعا لم تصرح المنظمة مطلقا بأنها تتلقی أموالا من العراق ، واستمر رجوي طويلا بالحديث عن المساعدات التي قدمت للمنظمة بعد العمليات ، وبعد هذه الخدمة الکبيرة تم توسيع معسکر أشرف والذي کانت أبعاده 7 کيلومتر في 7 کيلومتر لتصل إلی ثلاثين کيلومترا وذلک عن طريق السطرةعلي الأراضي الزراعية المحيطة به ، وأيضا بدؤوا يقدمون تدريبات أکثر لقواتنا وکذلک حرکة قواتنا أصبحت أکثر حرية ولم يکن أحد يمنعنا من الحرکة في کل العراق وکنا نذهب حيث نشاء بل کنا نحمل السلاح أيضا بحرية ، وقام رجوي مرارا بشکر صدام علي هذه العطايا مستخدما عبارة السيد الرئيس .
• کيف کانت ردة فعل عناصر المنظمة عندموا اکتشفوا أنه قد تم خداعهم من قبل قادة المجاهدين ؟
لقد اکتشفنا کل شيء مع شروع العمليات ، لم يکن الطرف المقابل لنا إلا الأکراد بلباسهم التقليدي وحتی بنعالهم البلاستيکية ، أنا نفسي اعترضت وقلت بأن هؤلاء ليسوا إيرانيين وليسوا من قوات حرس الثورة، لقد رأيت بعيني الکثير من الأفراد الذين قتلوا وکانوا جميعا من الأکراد ، کان هناک الکثير من العناصر الذين رفضوا القتال بسبب هذا الأمر فتم نقلهم إلي معسکر أشرف حيث سجنوا هناک ، عندما سألت قائد العمليات أجابني بأنه لا مجال للسؤال في أثناء العمليات وعليک القيام بعملک فقط ، الکثير من عناصر المنظمة کانوا أکرادا واعترضوا علی الأعمال التي قمنا بها وکانوا يقابلون بالسجن والتعذيب ، و في العام 1994 وفي قضية( رفع إبهام ) تم تعذيب عدد من العنصر المعترضين وتم قتل عدد آخر .
• کيف کان انعکاس القضية في العالم ، هل سجلت باسم صدام أم باسم المجاهدين ؟
علی ما أتذکر ولأن جو المنظمة کان مغلقا جدا ولم يکن هناک أي وسائل إعلامية وکل ما کان يمکن أن نعرفه هو ما نسمعه عن طريق مکبرات الصوت الموجودة في المعسکر ، ولکن في الخارج کان هناک ضوضاء کثيرة وبحسب ردود الفعل أدرکنا أن المنظمة تتعرض لضغط شديد، مثلا حدث أن قوات أمريکية شاهدت حوامات المنظمة وهي تقصف مدينتي جلولا والکفري ولکن المنظمة کانت تحاول التنصل من الموضوع عن طريق حرکات إعلامية ، بالإضافة إلی ذلک فإن العناصر التي انفصلت عن المنظمة ولجأت إلي أوربا عامي 93 و94 کشفوا ما کان خافيا واعترفوا أن المنافقين هم من قام بعمليات قتل الأکراد في العراق ، ولکن المنظمة کما هي عادتها اتهمت هؤاء الأشخاص بأنهم عملاء لوزارة الاستخبارات ، ولکننا علمنا أن مسألة قتل الأکراد قد أصبحت مسألةعالمية ورجوي کان يخشی هذا الأمر کثيرا.
• من المقرر أن يتم طرح قضية قتل الأکراد في محکمة صدام ، هل تعتقد أن بيان الإتهام يجب أن يتضمن إشارة إلی منظمة المجاهدين وکيف سيکون ذلک ؟
لا أعلم إذاما کان صدام سيتکلم عن المجاهدين أم لا ، ولکن إلی لا هو ولا أتباعه لم يقولوا شيئا، أما هذه المسألة فمن المؤکد أنه سيتم طرحها في المحکمة، في الحقيقة إن المنظمة تسعي للربط بين قضية قتل الأکراد وبين العمليات التي حصلت في العام 1984 ففي ذلک الزمان حصلت مواجهات متفرقة بين قوات المنظمة والأکراد ، لکن الحقيقة أن مسألة قيام قوات المنظمة بقتل الأکراد في عملية مرواريد هي أوسع بکثير من المواجهات مع الأکراد عام 84، مسعود رجوي کان يقول دوما أننا قوات ثورة ونحن في حالة حر ب مع النظام الإيراني ، والأکراد کانوا يعتقدون بهذا الأمر أيضا في البداية ولکن ما الذي حصل حتی تقوم المنظمة بهذه الأعمال وکيف يمکن لعناصرها أن يعملوا کمرتزقة عند صدام ويقوموا بقتل الأکراد ؟
کان الأکراد يهدفون إلی استعادة حقوقهم من صدام ،وفي ذلک الوقت أنقذ المجاهون صدام من هذه الحرکة الثورية وبعد هذه الخدمات قام صدام بدعم المنظمة بشکل کامل حتی أن مريم رجوي کانت کثيرا ما تشيرإلی هذه المساعدات في مقابلاتها وتقول : لقد کنا قوات مشاة ثم تحولنا إلی قوات مدرعة .
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر