● الإرهاب في أوروبا: كانت أوروبا مسرحًا للعنف والعمليات الإرهابية، بسبب الدور الذي كان يلعبه الملوك والقياصرة، إضافة إلى دور الإقطاعيون الذين أبرزوا قوتهم في الحياة الإجتماعية والسياسية في أوروبا، وسنبين ما كان سائدًا من إرهاب في أوروبا من خلال ما يلي:
أ. عصابات الإرهاب في أوروبا: إستخدم النبلاء عصابات الإرهاب في العصور الوسطى، للإخلال بالأمن ضد خصومهم من النبلاء المنافسون، كما كانت إساءة معاملة العبيد دافعاً لهم للفرار من إقطاعيات أسيادهم، وتشكيل عصابات للإنتقام والقتل والسرقة، وإشاعة الفوضى في أراضي أسيادهم، كما لم يكن البحر آمناً بوجود كان من القراصنة الذين كانوا يجوبون البحار، ويهددون أمن الملاحة البحرية، وقد إستخدمت الإمبراطوريات الإنجليزية والفرنسية والأسبانية القراصنة ضد بعضهم في حرب غير معلنة في البحار.
وكانت الدول الإقطاعية يستخدمون الجنود المرتزقة، ويعطونهم أجورهم من مصادرة أملاك الغير، أو السلب والنهب، وكانت قوانينهم تتسم بالوحشية والقسوة والإرهاب.
ب. الإرهاب الصليبي: دعى البابا "أوريان الثاني" المولود في فرنسا عام ٠٤٢۱م في مجمع "كليرمونت" في فرنسا سنة ٠٩٥۱م في خطابه إلى حمل السلاح والتوجه إلى نحو المشرق، يقول مخاطبًا النصارى "إنهضوا وأديروا أسلحتكم التي كنتم تستعمولونها ضد إخوانكم، ووجهوها ضد أعدائكم، أعداء المسيحية، إنكم تظلمون الأيتام والأرامل، وأنتم تتورطون في القتل والإغتصاب، وتنهبون الشعب في الطرقات العامة، وتقبلون الرشاوي لقتل إخوانكم المسيحيين، وتريقون دماءهم دونما خوف أو وجل، فأنتم كالطيور الجوارح، آكلة اللحوم الجيف التي تنجذب لروائح الجيف الإنسانية النتنة، ضحايا شجعكم، إنهضوا إذن ولا تقاتلوا إخوانكم المسيحيين بل قاتلوا أعداءكم الذين إستولوا على مدينة القدس، حاربوا تحت راية المسيح قائدكم الوحيد، إفتدوا أنفسكم أنتم المذنبين المقترفين أحط أنواع الآثام. وسارت الجيوش الصليبية إلى بيت المقدس وكانت تقوم بنهب كل منطقة تمر بها، وتنزل بأهلها جميع صنوف العذاب، فقد كانوا يقومون بتقطيع الأطفال إلى قطع ويضعون بعضهم على قضبان خشبية ويقومون بشيهم فوق النار، ويخضعون الشيوخ لأنواع العذاب المختلفة، وذلك ليرهبوا المتحصنين في المدينة التي يريدون فتحها، فيفتحوا لهم الأبواب.
وعندما تم الإستيلاء على مدينة القدس، قام الصليبيون بكافة أنواع الإرهاب، فأخذوا يحرقون البيوت، ويطاردون ويقتلون المسلمون في كل مكان، ودخلوا مسجد عمر وذبحوا كل ما تواجدوا فيه، وإحمرت الأرض بلون الدماء السائلة، وإمتلأت المدينة بالقتلى، وقاموا بجمع الجثث وحرقها، وإنطلقوا ليكملوا إرهابهم بإقتحام البيوت وسرقة ما تقع عليه أعينهم، وطعنت المسلمات بالخناجر والسيوف، وقاموا بقذف
الأطفال الرضع وهم أحياء من فوق أصوار مدينة القدس.
تكررت هذه الأحداث في دمشق وطرابلس عام ١٠٥٢م، فقتلوا ما واجههم من الرجال وسبوا النساء والأطفال، ونهبوا ودمروا معالم الحضارة الإسلامية.
ﺠ. محاكم التفتيش: إجتمع رجال الكنيسة الكاثوليكية في مدينة " لوز" الفرنسية عام ١٢٢٩م، لبحث إنشاء محكمة يقدم إليها كل من أتهم في عقيدته الكاثوليكية، وكل من كان على دين أو معتقد غير ما يعتقده جماعة الكاثوليك، وفي عام۱۳۳۳م، قرر البابا إنشاء المحكمة، وأصدر أوامره إلى جميع الكنائس الكاثوليكية، بتعين كاهن خاص للبحث عن الأعداء، وتقديمهم لمحكمة بابوية خاصة، وقد أطلق على هذه المحكمة الخاصة إسم "ديوان المقدس"، أو "التفتيش المقدس"، وكان يقبض على المتهم ويحضر أمام المحكمة، ويقر بما يعتقده صراحة عن الكنيسة، وعن الدين المسيحي، فإذا لم يذعن لما يريدون، أحيل إلى معذبين يسومونه سوء العذاب، وعملت هذه المحاكم في كل دول أوروبا، وعملت في فرنسا حتى قيام الثورة الفرنسية عام ٧٨٩۱م، حيث تقرر إلغاؤها، وإنتقم الشعب من رجال تلك المحاكم الذين هرب بعضهم إلى إسبانيا والبرتغال وإنضموا إلى زملائهم هناك.
وإشتهرت محاكم التفتيش في إسبانيا والبرتغال أكثر من غيرها في البلاد الأخرى، وذلك لممارستها الأعمال الوحشية والإرهابية. ففي عام ١٧٥٠م ثار المسلمون ضد ظلم وطغيان النصارى في إسبانيا، فأرسلت الأخيرة جيوشًا لإخمادها وأخذوا يحرقون القرى بمن فيها من العرب والمسلمين ولا يفرقون بين الرجال والنساء والأطفال، وكانوا يرسلون الدخان على الملتجئين إلى الكهوف والأغوار حتى يموتوا إختناقاً، وذبحت النساء والأطفال وقتل في هذه الثورة أكثر من عشرين ألف مسلم، ومن نجا كان مصيره الرق أو النفي، وحكم على الأسرى بالعبودية، ونفي الباقون تحت الحراسة ومات الكثير منهم في الطريق من الجوع والعطش والتعب، وقد ثبت أن من عذب من المسلمين في المدة بين سقوط غرناطة سنة ١٤٩١م، والعقد الأول من القرن السابع الميلادي يبلغ ثلاثة ملايين شخص ما بين قتل وحرق ونفي.
وقد أجبر من بقي من المسلمين على إعتناق النصرانية، وكانوا يعذبون بأدنى شبهة، فكل مسلم تنصر يعد مرتدًا إلى الإسلام إذا مدح دين محمد "عليه السلام" أو قال إن المسيح ليس بإله وإنما رسول، أو زاول بعض العادات والتقاليد الإسلامية، كأكل اللحوم يوم الجمعة أو إرتدى ثياب نظيفة أو ولى وجهه شرقًا وقال بسم الله، أو إذا أوثق أرجل الحيوان قبل ذبحه أو رفض أكل لحم ما لم يذبح، أو ختن أولاده، أو سماهم بأسماء عربية، أو صام رمضان، وغيره من العبادات والعادات الإسلامية. ويجب على كل مسيحي أن يخبر بما يعلم أو يسمع أو يرى من هذه الأمور من متنصرة المسلمين، ويبلغ ذلك إلى رجال محاكم التفتيش الذين يولون أمره ويسومونه سوء العذاب. وقد قدر عدد ضحايا محاكم التفتيش في إسبانيا بما لا يقل عن تسعة ملايين شخص خلال خمسة قرون من عام١٣٣٣م إلى عام١٨٣٥م. ومما لا شك فيه كانت تلك الأعمال الإرهابية التي تقوم بها محاكم التفتيش في أوروبا تتم بمباركة الملوك والحكام، من أمثال عاهلي إسبانيا "فرديناند وإيزابيلا"، وهما اللذان وحدا أسبانيا وأقاما محاكم التفتيش ومنحا الكثير من الإمتيازات للكنيسة.
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر