ذکری استشهاد شهيد المحراب الاول آية الله السيد محمد علي القاضي الطباطبائي ‏(رحمه الله)

كان الشهيد يدعو الله أن يرزقه الشهادة، فما أكثر أن كرّر جملة (يا ليتني أرزق ‏الشهادة كما رزقها الشهيد المطهري).. ورزقه الله ما طلب؛ فقد استشهد يوم عيد ‏الأضحى بعد أدائه صلاة العشاء من عام 1399هــ على يد المنافقين (منظمة مجاهدي خلق الإرهابية)

ولادته

ولد أوّل شهداء المحراب في الجمهورية الإسلامية السيد محمد علي القاضي عام ‏‏1331هــ في مدينة تبريز من بيت علمائي عريق. كان والده آية الله السيد ‏محمد باقر الطباطبائي من أبرز علماء تلك المنطقة.‏

دراسته

بدأ بالدراسة مبكراً على يد والده وعمّه آية الله السيد أسد الله القاضي، ثم هاجر ‏إلى قم المقدسة في عام 1359هــ، حيث قضى عشر سنوات حضر فيها دروساً ‏عند أبرز أساتذتها كآية الله البروجردي والگلبايگاني وحجت والكوهكمري، ودرس ‏الفلسفة وخارج الأصول لدى الإمام الخميني رحمه الله. ‏

ثم رحل إلى النجف ومكث فيها ثلاث سنوات، درس خلالها على يد آية الله الحكيم ‏وكاشف الغطاء والسيد البجنوردي، وإثر مثابرته المتواصلة بلغ مرتبة الاجتهاد ‏وأجازه مجموعة من المراجع. ‏

جهاده

في السنوات المبكرة من عمر الشهيد، وقبل أن يسافر إلى قم المقدسة لطلب العلم، ‏أبعد مع والده إلى طهران مدة شهرين بأمر من رضا شاه الخائن بسبب نشاطهما ‏القوي في ثورة تبريز آنذاك، ثم تحول المنفى إلى مدينة مشهد المقدسة، وبعد سنة ‏من النفي رجع إلى تبريز. ‏

وبالرغم من رغبة الشهيد في إكمال دراسته العلمية في النجف الأشرف إلاّ أنه ‏اضطر - لعدة أسباب - إلى الرجوع إلى مدينة تبريز عام 1372هـ، وهو مثقل ‏بالأمانة ومسؤولية العلم والإيمان.. شرع في التبليغ والتحقيق وإمامة مسجد من ‏مساجد تبريز المعروفة، ولم يمنعه ذلك من التصدي للعمل السياسي، فقد عرّى ‏النظام الجائر للشعب في السنوات العشر التي أعقبت ثورة الثاني عشر من محرم ‏‏1383هـ (15 خرداد) وفي تلك الثورة، وبوجود الكثير من العلماء الذين شاركوا ‏فيها ووقعوا على البيانات، وكل تحدث من على المنابر عن النظام بحسب معرفته ‏وحدود بيانه، ومع أن الشهيد كان أصغر من بقية العلماء سنّاً، بل وأقل علماً من ‏بعضهم، نجد أن الشعب بأسره، بل النظام والسافاك كانوا يعلمون جيداً أن قيادة ‏التحركات والخطب وفتح وإغلاق الأسواق والشوارع لمدة أسبوعين والتظاهرات ‏والتجمعات أمام مبنى المحافظة والشرطة كانت تتم على يد الشهيد القاضي، فنال ‏بذلك ثقة الشعب ومحبته وطاعته في تبريز وفي محافظة آذربيجان، كما كانت ‏الكثير من مجالس العلماء السرية تعقد في منزله، أمّا أكثر البيانات فتكتب إما بقلمه ‏وخطه أو إملائه. ‏

الاعتقال والنفي

اثر ذلك اعتقل الشهيد في 18 جمادى الثانية عام 1383هـ وسجن في إحدى ‏المعسكرات بمدينة طهران ثم في إحدى سجونها حيث بقي فيها لمدة شهرين ‏ونصف، وبسبب ما لاقاه من التعذيب البدني والنفسي فقد نقل إلى إحدى ‏المستشفيات، ثم أفرج عنه بكفالة من أخيه وبشرط عدم مقابلة الناس، وكان هذا يتم ‏بإشراف دقيق من جهاز السافاك لمدّة أربعة أشهر.. وبعد ذلك، وفي الأيام الأولى ‏التي أطلق فيها سراح الإمام القائد بعد مجزرة 15 خرداد، سافر الشهيد إلى مدينة ‏قم المقدسة، وقابل فيها الإمام، وتحدث معه في شؤون التحرك الإسلامي، ومن ‏هناك تشرف بزيارة الإمام الرضا عليه السلام ثم عاد إلى طهران. ‏

ومع أنّ الشهيد كان منفياً عن مدينته تبريز إلاّ أنّه غادر طهران إليها من دون إذن ‏السافاك بتاريخ 10 ذي الحجة 1383هـ. وما أن علم أهالي تبريز وأطرافها ‏بقدوم الشهيد حتى استعدوا لاستقباله، وكان يوماً مشهوداً في تاريخ تبريز لم تشهد ‏مثيله، فوفاءً لهذا العالم الرباني المجاهد احتشدت مئات الألوف في الطريق ما بين ‏محطة القطار إلى بيت الشهيد (بمسافة 6 كيلومترات) وهي تطلق الشعارات ‏الإسلامية مثل.. الله أكبر، ونصر من الله وفتح قريب. ‏

لم يتحمل النظام منظر الاستقبال حتى ليوم واحد، فقام بردود فعل انفعالية، وأقدم ‏الساواك على اعتقاله في منتصف ليل يوم قدومه.. يقول الشهيد عن هذا الاعتقال: ‏‏"داهم رجال السافاك منزلي وقبضوا عليّ، أمسكني بعضهم من رجلي وآخرون من ‏يديّ، ونقلوني بهذا الشكل إلى رأس الزقاق، ثم أركبوني السيارة، ونقلوني إلى ‏‏"سلطنت آباد" (أحد السجون) في طهران". ‏

بعد مضي برهة من الزمن، أفرج عن الشهيد بضغط من آية الله الميلاني، فرجع ‏إلى تبريز، إلاّ أن هذا الأمر لم يدم طويلاً، فسرعان ما ألقي القبض عليه ونقل إلى ‏طهران من جديد. ‏

وبسبب الضعف والمرض الذي أصابه، فقد أبقي في إحدى المستشفيات لمدة ستة ‏أشهر تحت المراقبة المستمرة للسافاك، ثم أبعد بعد ذلك بتاريخ 27 رجب ‏‏1384هـ إلى العراق، فاغتنم هذه الفرصة بحضور الدرس في حوزة النجف ‏الأشرف وبالأخص درس الإمام الخميني رحمه الله. ‏

وبعد انتهاء الإقامة الجبرية التي دامت أحد عشر شهراً عاد الشهيد إلى مدينة ‏تبريز، وأكمل مسيرته السابقة في تبليغ الرسالة وكشف اللثام عن الوجه القبيح ‏للنظام. ‏

جهاده حتى انتصار الثورة

ومنذ رجوعه وحتى انتصار الثورة، كان كقائده طوداً شامخاً في الأحداث، وكانت ‏علاقته الوثيقة بالإمام قد تركت أثراً كبيراً في أعماله وآرائه ومواقفه، فقد كان ‏سبّاقاً في إرشاد الناس وتوجيههم في جميع الظروف وخصوصاً في اللحظات ‏الحساسة، ثابت النظر والتشخيص في المسائل السياسية. ‏


ومع تصاعد جهاد الشعب المتيقظ بشهادة نجل الإمام السيد مصطفى، فقد أسّس ‏الشهيد بالمجالس التي عقدها على روح الشهيد، خندقاً قوياً للدفاع عن الإسلام ‏ومحاربة الطاغوت، وكان منزله المأمن الوحيد للمجاهدين بعد حادثة 19 دي (29 ‏محرم 1398هـ) التي استشهد فيها مجموعة من علماء قم اثر خروجهم في ‏التظاهرات احتجاجاً على إحدى المقالات التي كتبت ضد الإمام الخميني رحمه ‏الله. أمّا الشهداء فكان تشييعهم ينطلق من منزله، وكانت التظاهرات الكبرى في ‏‏11 ربيع الأول 1398هـ في تبريز تتمّ بتوجيه هذا الشهيد الذي واصل الدعوة ‏إلى إغلاق السوق والمحال التجارية وعدم دفع أموال الماء والكهرباء، لإعلان ‏عدم مشروعية النظام، والدعوة إلى الإضرابات حيث كان يقوم بتأمين مصاريف ‏المضربين فترة الإضراب، وكان ينظّم التظاهرات التي تنطلق من أمام منزله ‏ويتقدمها رغم إطلاق الرصاص عليها.. كما عيّن في مسجده محلاً لتعليم طريقة ‏استخدام القنابل الحارقة، وحثّ الآخرين على تعلّمها وتعليمها. وبفضل هذه الجهود ‏المتظافرة في كل أنحاء إيران تم الانتصار الميمون للثورة الإسلامية. ‏

وبعد انتصار الثورة الإسلامية أمّ صلاة الجمعة في تبريز الثورة حتى نال الشهادة. ‏‏ ‏

مزاياه

اشتهر الشهيد السعيد باستقامته وعدم تراجعه عن درب الجهاد مع كل ما كان ‏يلاقيه، وصبره العظيم أمام ضغوط النظام.. كما عرف الشهيد بصفاء قلبه وتعلقه ‏بأهل البيت (عليهم السلام). ‏

كان الشهيد داعياً إلى مرجعية الإمام الخميني رحمه الله وتقليده بعد وفاة السيد ‏الحكيم الذي كان وكيلاً عنه منذ عام 1372هــ، وتمكن الشهيد أن يرجع كثيراً ‏من أهالي آذربيجان إلى الإمام. كما كان متواضعاً مترفعاً عن الشهرة والرئاسة؛ ‏فكان يتعمد أن يكون آخر من يوقّع من البيانات مع أنه المنشئ لها غالباً وأول ‏الموقعين عليها. ‏

مؤلّفاته

للشهيد السعيد مؤلفات عديدة منها: ‏

حاشية على الرسائل والمكاسب، حاشية على الكفاية، تقريرات أصول آية الله ‏حجت، تاريخ القضاء في الإسلام، وهناك مؤلفات لم تطبع بعد منها: ‏

فصل الخطاب في تحقيق أهل الكتاب، السعادة في الاهتمام بالزيارة، المباحث ‏الأصولية. وللشهيد تعليقات على كثير من الكتب، كما قام بالتقديم لكتب أخرى، ‏

شهادته

كان الشهيد يدعو الله أن يرزقه الشهادة، فما أكثر أن كرّر جملة (يا ليتني أرزق ‏الشهادة كما رزقها الشهيد المطهري).. ورزقه الله ما طلب؛ فقد استشهد يوم عيد ‏الأضحى بعد أدائه صلاة العشاء من عام 1399هــ على يد المنافقين (منظمة مجاهدي خلق الإرهابية) الذين ‏أصابوه بثلاث طلقات نارية، ودفن في مقبرة المسجد الذي كان يؤم الجماعة فيه. ‏

وقد نعاه الإمام الخميني رحمه الله بالقول: "كان المرحوم الطباطبائي من أصدقائي ‏القدامى، وكانت لديّ معه ذكريات عديدة، لقد ذهب إلى السجون العديدة، حيث ‏جاهد وأبعد". ‏

‏فالسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.‏‏


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات