لقد مرت الثورة الاسلامية في إيران بتجربة صعبة ومرة إستطاعت وبجهود المخلصين من أبنائها وقادتها الى تجاوز هذه المحنة في تاريخ الاسلام الشيعي. قبل إنتصار الثورة الاسلامية كانت منظمة تعمل ضد النظام الشاهنشاهي تطلق على نفسها "مجاهدي خلق" ، وكانت نشطة في المجال الاعلامي السياسي والعسكري ، وإستقطبت الكثير من الشباب الايراني الذي كان يرغب في النضال والجهاد ضد نظام الشاه المقبور . وقد كانت هذه المنظمة تأخذ أفكارها ومناهجها من الإشتراكية الماركسية اللينينية وتطعمها بثقافة الاسلام والتشيع ، فتأخذ من كلام الامام علي ونهج البلاغة شيئا وتطعمه بالثقافة الماركسية ، وفي ظل الاستبداد الملكي الشاهنشاهي والسكوت الذي خيم على الأمة في إيران ، وفي ظل الإرهاب السافاكي لمنظمة المخابرات الإيرانية "السافاك" ضد المعارضين وسكوت الحوزة العلمية والعلماء عن القيام بواجبهم للنضال والجهاد ضد الظلم والاستبداد خرجت مثل هذه التنظيمات والحركات الاسلامية الماركسية الى السطح ومارست دورها في النضال وإكتسبت الكثير من الشباب والشابات في تنظيمها.
وقد سعت قيادات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية الى أن تلتقي بالامام الخميني "قدس سره الشريف" في النجف الأشرف مرات عديدة الا أنه رفض وبكرات أن يلتقي بقياداتها لعلمه المسبق بأن هذه المنظمة السياسية تحمل أفكارا وثقافات ماركسية إنتقائية بعيدة كل البعد عن الثقافة الاسلامية الشيعية الرسالية الأصيلة.
وبعد إنتصار الثورة الاسلامية في إيران ودخول القوى الاسلامية والسياسية في المعترك السياسي والتحضير للإنتخابات البرلمانية ورئاسة الوزراء ، فقد سعت هذه المنظمة وقياداتها الى العمل السياسي والإعلامي ونشرت العديد من المجلات والكتب والصحف ومنها ما كان يصدر باللغة العربية مثل مجلة "مجاهد" ، وإستقطبت الكثير من الشباب حيث كانت تنظم المظاهرات والإحتفالات وكان يحضرها الكثير من الشباب والشابات المغرر بهم في بداية الأمر.
وقد شهدت شوارع إيران مسيراتها ، منها منها شارع طالقاني الذي كان يمتلىء بالمتظاهرين من أنصار هذه المنظمة الإرهابية المنحرفة ، إبتداء من شارع الدكتور شريعتي وإنتهاءا بجامعة طهران ، وكان الشباب والشابات يصرخن وبقوة وبشعار المنظمة المعروف "مجاهد .. مجاهد".
إغتيال آية الله مطهري وآية الله مفتح من قبل الحركات الإنتقائية
في بداية الثورة ولما يعرف بعد الخط الأصيل الرسالي من الخط المنحرف الإنتقائي كان الناس يسيرون وراء الجميع ويستمعون لآرائهم ، على الرغم من أن الأغلبية الساحة للشعب الإيراني المؤمن كانت تتبع قيادة قائد الثورة الاسلامية ومؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني "رضوان الله تعالى عليه" ، الا أنه ورويدا رويدا ظهرت على السطح حركات سياسية فكرية متطرفة منها "منظمة فرقان" التي قامت بسلسلة إغتيالات سياسية كان أشهرها إغتيال المفكر الاسلامي الكبير آية الله الشيخ مرتضى المطهري وآية الله الشيخ محمد مفتح رئيس جامعة الإلهيات في طهران ، وبعد ذلك وبعد إشتداد المعترك السياسي في إيران وتمايز الخط الفكري الإصيل عن الخط الفكري الإنتقائي ظهرت الى السطح منظمة مجاهدي خلق التي أطلق عليها الشعب الإيراني فيما بعد ب"منظمة منافقي خلق" ، التي قامت بسلسلة إغتيالات سياسية طالت الكثير من القيادات الدينية والسياسية والعلماء والتمثيل بأجساد الكثير من المؤمنين بعد تعذيبهم .
فاجعة الحزب الجمهوري ورئاسة الوزراء
وبعد إشتداد الصراع بين الشعب الإيراني والحكومة من جهة وبين هذه المنظمة المنحرفة عن الخط الاسلامي الأصيل قامت هذه المنظمة بتفجير الحزب الجمهوري الذي أدى الى إستشهاد كوكبة من خيرة القيادات الاسلامية والسياسية لنظام الجمهورية الإسلامية على رأسهم المفكر الاسلامي الكبير آية الشهيد الدكتور محمد بهشتي رئيس مجلس القضاء الأعلى وحجة الاسلام الشيخ محمد منتظري وحجة الاسلام الشيخ حقاني وغيرهم من خيرة القادة الذين قدر عددهم بثلاثة وسبعين شهيد ، وقد أطلق على هذه الملحمة والفاجعة بكربلاء إيران.
ولقد كان تسلل العناصر الفاسدة لمنظمة منافقي خلق الإيرانية في الحزب الجمهوري الدور الكبير في تفجير الحزب الجمهوري الإسلامي وإستشهاد تلك الكوكبة والنخبة الرسالية من الشهداء ، الذين كانوا قيادات البلاد ، فقد كان "كلاهي" العميل لمنظمة منافقي خلق الذي كان يعمل في قسم العلاقات العامة في الحزب هو وراء التخيط لهذا العمل الإجرامي ، وقد قام بالاتصال بالكثير من الشخصيات القيادية في إيران وحثهم للمشاركة في الإجتماع المقرر في مقر حزب الجمهورية ، إذ أن بعضهم لم يكونوا مدعوين في هذا الإجتماع ومنهم العلامة المجاهد الشيخ محمد المنتظري ، الا أنه قد دعاه وقال له بأن الجميع بإنتظارك في إجتماع الحزب ، وذهب المنتظري للمشاركة ليذهب شهيدا الى الرفيق الأعلى رضوان الله تعالى عليه.
وتلت فاجعة الحزب الجمهوري فاجعة أخرى أليمة نفذتها عناصر هذه المنظمة المتسللة في جسم النظام الاسلامي بتفجير مقر رئاسة الوزراء وإستشهاد رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس وزرائه حجة الاسلام الشيخ محمد جواد باهنر ومجموعة من القيادات العسكرية على رأسهم اللواء الشهيد نامجو.
وبهذه الأعمال الإرهابية فقد ظهر للعيان إنحراف هذه المنظمة عن الخط الاسلامي الأصيل ، ولذلك فقد عمل الامام الخميني الراحل رضوان الله تعالى عليه والعلماء والحوزات العلمية بتبصير الشعب الايراني بحقائق هذه المنظمة المنحرفة عن الاسلام والتشيع ، وعمل الشعب الإيراني الى تطهير الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية من عناصرها الفاسدة ، وإستطاعوا بحمد الله أن يقضوا على هذا الإنحراف الذي حصل في الأمة ، ولكن هذه المنظمة إستمرت في نهجها الإنحرافي والإنتقائي ووجهت ضربات موجعة للشعب الإيراني ونظامه الإسلامي بالتعاون مع النظام البعثي العفلقي البائد.
التحالف الإستراتيجي بين البعث المنحل ومنظمة منافقي خلق الإيرانية
ولقد إنتهى الأمر بهذه المنظمة لأن تنضوي تحت لواء النظام الديكتاتوري البعثي وتتحالف معه بعد خروجها من إيران ، حيث تحالفت هذه المنظمة السياسية الإيرانية مع صدام المجرم لتطابق منهجها الفكري والسياسي والدموي والإرهابي معه ، ووقفت الى جانبه في فترة الحرب المفروضة وشكلت طابورا خامسا ضد النظام الاسلامي في إيران ، وساعدته في خنق أنفاس الشعب العراقي ووقفت الى جانب عناصره الإرهابية وأجهزته القمعية ومارست التعذيب والقتل الجماعي ضد أبناء شعبنا العراقي.
ولا زالت هذه المنظمة الإرهابية تتخذ من الأراضي العراقية مقرا لها بالتعاون مع سلطات الإحتلال التي لا زالت توفر لها فرص العيش والبقاء على الأراضي العراقية ، على الرغم من أن مجلس الحكم قد أصدر قانونا يمنع نشاطها السياسي وطالب بإجلائها عن الأراضي العراقية.
إختطاف المرجع المدرسي
وقد قامت هذه المنظمة الإرهابية بإختطاف المرجع الديني العراقي الكبير المجاهد آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي المدرسي "دام ظله الوارف" والوفد المرافق له عندما قرر الرجوع من المنفى في إيران الى مسقط رأسه كربلاء المقدسة بعد سقوط نظام صدام حسين ، ولو لا إرادة الله ومشيئته ودعاء المؤمنين والتحرك الإعلامي والسياسي والدولي من أجل إطلاق سراحه لقامت هذه المنظمة الإرهابية بمجزرة شنيعة بحق أحد أبرز مراجع الدين العظام في العراق والمرافقين له.
وقد تحرك حزب الطليعة الإسلامي بقواته لإطلاق سراح آية الله العظمى المدرسي ورفاقه والتصدي لهذه المنظمة الإرهابية ، الا أن قوات الإحتلال حالت دون ذلك. وقد نظم حزب الطليعة الإسلامي مظاهرة كبرى في كربلاء المقدسة إحتجاجا على خطف وإحتجاز المرجع المدرسي من قبل هذه المنظمة الإرهابية.
المرجع المدرسي وتعرية الفكر الإنتقائي
ولقد قام المرجع المدرسي وخلال أقامته في إيران وبعد ظهور هذا التيار الفكري الإنتقائي المنحرف وخلال تواجده في طهران ، بإلقاء مجموعة من المحاضرات الفكرية والدينية في مكتبه على جموع غفيرة من المؤمنين والمجاهدين العراقيين أطلق عليها "لكي لا تتكرر تجربة منافقي خلق" ، حيث بين المرجع المدرسي لأبناء الطائفة الشيعية الفرق بين الإسلام الرسالي الرباني وبين الثقافة الإنتقائية لهذه المنظمة والحركات والأحزاب السياسية والدينية التي جاءت على إمتداد التاريخ ، وما هي ميزات الخط الرسالي وثقافته وتاريخه ، وماهي ميزات وخصائص التاريخ الشيعي الرسالي الأصيل الذي يأخذ ثقافته الأصيلة من الاسلام والقرآن والسنة النبوية وأئمة أهل البيت والعلماء الربانيين . هذا الفكر الذي يجب أن يرتبط بالمرجعية الدينية ويسترشد بأوامرها ونواهيها حتى يستطيع الإستقامة على طريق ذات الشوكة ويجسد الاسلام الحقيقي الذي يتطلع له أئمة أهل البيت عليهم السلام.
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر