يمكن أن نميز فى فقه القانون الدولى بين اتجاهين أو رأيين رئيسيين بصدد المقصود بالإرهاب كصورة من صور العنف، يرى أولهما أن الإرهاب يتحقق باستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، بينما يرى الثانى أن غرض الإرهاب يتمثل فى قصد إشاعة الرعب فى المجتمع.
الإتجاه الأول: يعول على طبيعة الهدف من عمل العنف هل هو سياسى أم غير سياسى؟ فإذا كان الهدف سياسياً صار العنف إرهاباً، أما إذا لم يكن الهدف سياسياً صار العنف عنفاً خالصاً أو عادياً وهو الذى قد تكون أهدافه إقتصادية أو إجتماعية كالسرقة أو الثأر .. الخ، كما أن التهديد باستخدام العنف لتحقيق أغراض سياسية معينة يعد عملاً إرهابياً. فالإرهاب يقوم على تفضيل العنف على سائر صور النشاط السياسى، بما يعنى أن الإرهاب يرفض السياسة كوسيلة سلمية تواجه بها المجتمعات والدول ما ينشب داخلها أو فيما بينها من الصراعات أو الخلافات ويتجه بدلا من ذلك إلى تبنى أسلوب العنف، ليس كملاذ أخير أو شر لابد منه، ولكن كغاية فى حد ذاته وشكل مطلوب ومرغوب فيه من أشكال العمل السياسى غير المشروع، وفى هذا الإطار يعرفه أودريان جيولك عالم السياسة الجنوب أفريقى بأنه عمل عنيف من جانب جماعات صغيرة لغايات سياسية ضد الحكومات.
الإتجاه الثانى: يسلم بالدور الهام الذى يلعبه الباعث السياسى فى كثير من الجرائم السياسية إلا أنه لا يعتقد أن مثل هذا الدور يصلح لأن يتخذ أساساً لتعريف الجريمة الإرهابية التى تجد معيار تمييزها فى قصد إشاعة الرعب. ومن أنصار هذا الاتجاه العالم الإنجليزى ويلكنسون الذى يعرف الإرهاب بأنه إستخدام السلاح أو المتفجرات أو العنف لتهديد أرواح الأبرياء وتخويف الأغلبية وبث الرعب فى قلوبها، وإن كان الإرهابى يتذرع بحجج دينية أو اجتماعية أو سياسية غير حقيقية لا مبرر لها. فالإرهاب هو إستعمال العنف بأى شكل من أشكاله المادية للتأثير على الأفراد والمجموعات أو الحكومات وخلق مناخ من الاضطراب وعدم الأمن بغية تحقيق هدف معين، ومن ثم يرتبط الهدف بقصد إشاعة الرعب كركنين أساسيين لتعريف الإرهاب.
ويقترن الإرهاب عادة بالعنف، إذ أن العنف هو أهم مظاهره لكن بدرجة جسيمة تخرجه عن نطاق التجريم العام لجرائم العنف ليندرج فى نطاق التجريم الخاص بجرائم الإرهاب. فالعنف هو الإكراه المادى الواقع على شخص أو جماعة لإجباره أو إجبارها على سلوك ما أو بهدف التصفية الجسدية، أو للاستيلاء على الأموال عمداً عن طريق القوة أو بهدف الانتقام كتدمير بعض المنشآت أو حرقها .. بينما تتجاوز أهداف العمل الإرهابى أهداف أعمال العنف الإجرامية العادية كالسرقة والقتل إلى النطاق الأوسع الذى يهدد أمن المجتمع وسلامته من الناحية السياسية والأمنية، وبما يثير رعب وفزع فى المجتمع، وبينما توجد علاقة مباشرة بين الفاعل والمجنى عليه فى جرائم العنف فغالباً ما تكون هذه العلاقة مفقودة بين الإرهابى وضحاياه فى الجرائم الإرهابية.
كما أن العنف العادى لا يمارس من خلال تنظيم محكم له عقيدة أو فكر، وإنما غالباً ما يمارس بشكل فردى أو من خلال عصابات منظمة لكنها محدودة النشاط كالسرقة والاتجار فى المخدرات .. الخ. بينما الإرهاب يمارس من خلال تنظيمات سياسية وحركات عقائدية فكرية أو من خلال أحد أجهزة الدولة فيما يعرف بإرهاب الدولة. ويختلف الإرهاب عن الاحتجاج السياسى كالمظاهرات وأعمال الاحتجاج والإضراب العام التى يقرها القانون والدستور فى كثير من بلدان العالم بغرض تحقيق أهداف سياسية وغير سياسية تتصل برؤية أو مصلحة عامة يقرها القانون والدستور كمظاهرات يقوم بها العمال لزيادة أو لصرف رواتبهم أو مظاهرات يقوم بها طلاب إحدى الجامعات احتجاجاً على العدوان الإسرائيلى المستمر على الفلسطينيين وغيرها، بينما يستخدم القائمون بالعمل الإرهابى وسائل غير قانونية كالمتفجرات والقنابل والأسلحة النارية كالرشاشات ضد أشخاص أبرياء بهدف قتلهم أو إحتجازهم أو خطفهم للمساومة عليهم لتحقيق أهداف غير قانونية وتحمل طابعاً سياسياً كالاستيلاء على السلطة أو قلب النظام أو تخريب السياحة .. الخ.
ومما يزيد من خطورة جرائم الإرهاب أن المجنى عليه فيها هو شخص برئ لا تربطه أى علاقة سابقة أياً كان نوعها بالإرهابى، ولذا فهى تجد إستنكاراً عميقاً لدى الرأى العام بجميع فئاته وطبقاته.
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر