اقرت المادة (38) من الدستور حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر واستثناء من ذلك وضعت المادة (46) معيار وضابطا لتقييد ممارسة اي حق وحرية بما فيها حرية الاعلام. اذ نصت تلك المادة على (لا يكون تقييد ممارسة اي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور او تحديدها الا بقانون او بناء على ان لا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق او الحرية).
وبذلك اخذ الدستور بالاحكام القارة (المستقرة) في دول الديمقراطية واوطان الحرية باشاعة حرية التعبير وحق وسائل الاعلام بالوصول الى المعلومات والانباء وواجبها في ايصال تلك المعلومات الى القارئ والمشاهد. مما هو مقرر في الاعلانات الانسانية والحقوق الدولية للحقوق المدنية والسياسة 1966 وخاصة ما ورد في المادة (19) منه. وبناء على ذلك انطلقت وسائل الاعلام العراقية في ممارسة حقها هذا الذي يضمنه القانون الداخلي والقانون الدولي. حتى وصل الامر باحدى الجرائد البغداديةان تنشر في شهر ايار الخبر الاتي (الاتفاق بين رئاسة الجمهورية والامريكان على إخراج الرئيس السابق واطلاق سراحه)دون أن تحدد هذه الجريمة مصدر هذا النبأ وفي عدد اليوم التالي للجريدة نشرت كتاب رئاسة الجمهورية حول تكذيب هذا الخبر دون ان تكلف نفسها عناء الرد او المناقشة او التكذيب حتما. والامثلة اكثر من ان تحصى او تستقصى.
واذا كانت هذه الحرية المطلقة تقود الى المفسدة المطلقة كما يقول فقهاء وفلاسفة الدستور. لذلك تجد ان قواعد القانون الدولي وضعت قيودا على هذه الحرية فلقد منح العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية 1966 الدولة حق تقييد هذه الحرية في حالة الطوارئ وتضمن قرار الجمعية العامة للامم المتحدة الصادر سنة 1978 منح الدول من اتخاذ ما عليها من اجراءات لمواجهةالظروف الاستثنائية التي تواجهها الدولة بالنسبة لحرية الاعلام مع قرارات اخرى كقرار الجمعية لسنة 1947 وقرار منظمة اليونسكو لسنة 1970 وسوى ذلك. وهذا ما اخذ به الدستور العراقي في المادة (38) عندما قيد ممارسة الحرية الاعلامية بالنظام العام والاداري وما قررته المادة (45) السالفة.
فلسفة حرية الاعلام
تقوم فلسفة حرية الاعلام شأنها شأن اية حرية اخرى على أن هنالك خطاً متوازياً بين الحرية والمسؤولية. فهنالك ميثاق غير مكتوب بين حرية التعبير والاعلام والمسؤولية التي يجب ان تصطبغ بها الحرية. اذ لابد ان ترتدي اية حرية رداء الالتزام الانساني الذي يضع ضوابط عامة لممارسة الحرية. لان نزع هذا الغطاء عن وسيلة الاعلام يعني الدخول في مجال اللامسؤولية ومجال العبث الذي يجعل من الحرية ضربا من اضرب الطغيان والاستبداد. ففي دولة كالولايات المتحدة الاميركية عابت السلطات فيها على قيام احدى الجرائد بنشر الخبر الخاص بان تلك السلطات تتولى متابعة حركة الاموال في العالم لمعرفة الاموال التي تذهب الى الجهات الارهابية. وفي موضوعنا هذا وهو قيام وسيلة الاعلام بنشر الجوانب القذرة من العمليات الارهابية التي تمثل حالة الانحطاط واقسى انواع الشر بما يمثل هجمة على ما يجب ان يتمتع به العمل الاعلامي من سمو المقصد ونبل الهدف. فانه واذا كان امر خبراء الاعلام الغربيين بان في عرض هذه المشاهد مصلحة لوسيلة الاعلام من وجه ومصلحة للارهاب من وجه اخر بحيث يكون هنالك قاسم مشترك بين الاثنين اذ ان الدعاية التي تقدمها وسيلة الاعلام للترويج لمنتوج معين يكون في اعلى مداه ويحقق اثراً كبيراً عندما يكون عرضه مع نشر تلك المشاهد وان جماعات الارهاب هم الاخرون يحققون الدعاية الاعلامية المطلوبة. فان الوسيلة الاعلامية كما يقرره اصحاب العقول الاعلامية الصحيحة ويقول به ارباب القلوب القانونية الرجيحة هو ان على وسائل الاعلام ان تنأى بنفسها في الدخول في هذا المنزلق والاديار والتولي عن هذا المسلك. وكم كان دقيقا القاضي (سكاليا) قاضي المحكمة العليا الاميركية في تصريحه لاحدى وسائل الاعلام في شهر تموز 2006 عندما قال ان المجتمعات الاكثر حرية هي المجتمعات الاكثر مسؤولية ولا نريد ان نذكر اقوال السابقين في هذا الامر. كما ان فلسفة المجتمعات المتقدمة تقوم على عدم اصدار قوانين منظمة للصحافة وعدم انشاء جهات رسمية تتولى امور الاعلام نحو ما كان حاصلا في وزارة الاعلام (المنحلة) لا بل لا حاجة لوجود وزارة الثقافة. لان مبدأ الحرية يقوم على ابتعاد السلطة التنفيذية (الحكومة) من الاشراف والرقابة على هذه الحريات وكان اصدار قوانين للصحافة (كما ينادي البوق عندنا)لابد أن يحمل في نصوصها التزامات وواجبات وجزاءات والدولة الحديثة تقوم على فلسفة الحرية المسؤولة التي تترك لاصحاب الشأن دون وجود وزارات او قوانين او جهات رسمية فمثلا لا توجد وزارة الثقافة او الاعلام او قوانين للصحافة او وسائل الاعلام في اغلب تلك الدول وما لم تعن الحاجة الضرورية والقصوى الى ذلك فان المطالبة بذلك ينم عن قالب جاهز وعقل غافل بفلسفة الحرية. ويبقى القضاء سيد الموقف والفيصل في ذلك.
لذلك تجد الامر (66) نص صراحة على ان اصدار الصحف لايحتاج الى موافقة جهة رسمية تأكيدا لمبادئ الديمقراطية واحكام الحرية. غير ان ذلك لايعني اطلاق يد الصحافة فالمسؤولية قائمة امام الانباء والمعلومات التي توردها.
الاجراءات بحق وسائل الاعلام في حالة الطوارئ
وتطبيقا للعهود الدولية التي منحت الدولة السلطات الكافية لتدراك حالة المجتمع في الظروف الاستثنائية فقد خول رئيس مجلس الوزراء بموجب احكام المادة (3) من امر (قانون) الدفاع عن السلامة الوطنية رقم السنة 2004 الذي صدر في عهد الحكومة المؤقتة (حكومة الدكتور اياد علاوي) سلطة اتخاذ واجراءات احترازية على الطرود والرسائل البريدية والبرقيات واجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية كافة (بما فيها وسائل الاعلام) وفرض الرقابة على هذه الاجهزة وتفتيتها وضبطها اذا كان ذلك يؤدي الى منع وقوع الجرائم او كشفها وفرض قيود على اموال من يحرض على ارتكاب الجرائم وله فرض قيود على الجمعيات والنقابات والشركات وتحديد مواعيد فتحها وغلقها ووضع الحراسة عليها مع صلاحيات اخرى تنطبق على الجميع بما فيها وسائل الاعلام كحظر التجوال في المنطقة التي تشهد اضطرابا واحتجاز المشتبه بسلوكهم الاجرامي وتفتيش الاشخاص والمحال ووضع قيود على حرية المواطنين او الاجانب وسوى ذلك مما يمكن ان يطبق على وسيلة الاعلام.
الاجراءات بحق وسائل الاعلام في الامر 14
صدر امر سلطة الائتلاف المؤقتة (14) في 10/ 6/ 2003 المنشور في الجريدة الرسمية بعددها 3978 آب 2003 وكان عنوانه (النشاط الاعلامي المحظور) وهذا التشريع لازال نافذا بحكم المادة (130) من الدستور وقد تضمن هذا الامر منع وسائل الاعلام من التحريض على العنف او الاخلال بالنظام او اثارة الشغب او الاضرار بالممتلكات وبموجب هذا الامر يجوز تفتيش اماكن عمل المؤسسات الاعلامية واحتجاز والقاء القبض على مسؤولي اية وسيلة اعلامية والحكم على المسؤولين بالحبس لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على الف دولار ويجوز سحب ترخيص (اجازة) اية وسيلة اعلامية ووقف اعمالها ومصادرة ممتلكاتها وغلق مبانيها.
(غلق مكاتب الجزيرة لمدة شهر واقامة الدعوى عليها )
صدر قرار مجلس الحكم 27 في 22/ 9/ 2003 متضمنا ما يلي (اغلاق مكتب قناة الجزيرة وقناة العربية الفضائيتين ومنع كل نشاطاتهما الاعلامية في العراق بما في ذلك عمل مراسليها في انحاء العراق ولمدة شهر واحد من تاريخ صدور القرار على ان يسمح لهما بالعودة الى العمل شريطة اقتناع المجلس بالتزام القناتين باسلوب عمل اعلامي يعتمد على التوازن وينأى عن التحريض على العنف واثارة الفتن الطائفية الدينية والعرفية. اي وفق المعايير المتبعة عالميا في العمل الاعلامي بسبب التجاوزات المتكررة التي قامت بها القناتين لاذاعة اصوات تدعو الى العنف السياسي في العراق. تصل في بعض الاحيان الى التحريض الصريح على القتل مما يساهم في تعقيد المشاكل الامنية في البلد والاضرار الخطيرة بمسيرة العراق نحو الاستقرار والديمقراطية ثم صدر قرار مجلس الحكم 80 في 3/ 11/ 2003 متضمنا ما يلي (تقام الدعاوى على قناتي الجزيرة والعربية وغيرهما في القضاء العراقي ويحركها المدعي العام طبقاً للمواد 47و 48و 49 من قانون العقوبات على ان تتضمن الدعاوى تعويضات مالية قدرها عشرة ملايين دولار لكل قضية وكذلك ضد كل من يرتكب جريمة تحريضية او قذف) هذه هي نصوص قراري مجلس الحكم نقلناها حرفيا اما ما لحق ذلك من اجراءات فلا نعلم عنها شيئا.
التزامات الصحفي بموجب قانون نقابة الصحفيين
لقد تضمن قانون نقابة الصحفيين رقم 178 لسنة 1969 والذي لازال نافذا عدة التزامات وواجبات يلتزم بها الصحفي في المادة (25) منه واجاز في المادة (26) منه لنقابة الصحفيين اتخاذ اجراءات نقابية بحق الصحفي كألفات النظر والانذار والمنع من مزاولة المهنة والفصل من عضوية النقابة ومن هذه الالتزامات الاساءة الى سمعة المهنة وتهديد المواطنين والتصريح او التلميح بما من شأنه ان يفيد جهة معادية على حساب الوطن او زعزعة الثقة بالبلاد او التشهير او الطعن او اثارة غرائز الجمهور بما يتعارض مع الفن الصحفي ومصلحة المجتمع او المساس بالحريات العامة والخاصة او تضليل الجمهور بالمعلومات غير الصحيحة او نشر الوقائع غير المؤكدة او نشر المعلومات والبيانات المغلوطة وسوى ذلك من الالتزامات المهنية.
قانون مكافحة الارهاب ووسائل الاعلام
وان لم يرد في قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 المنشور في الجريدة الرسمية بالعدد 4009 في 9/ 11/ 2005 نص صريح يذكر كلمة (الاعلام) او يتضمن خطابا صريحا لوسائل الاعلام غير ان ذلك يستنتج من الاحكام الواردة فيه وخاصة فيما يتعلق بالتحريض فاذا كانت المادة (3) من هذا القانون اعتبرت كل شكل من اشكال الخروج عن حرية التعبير التي كفلها القانون بمثابة جريمة من الجرائم الماسة بأمن الدولة فانه عاقب على التحريض بشكله المطلق العام سواء ورد في وسيلة اعلامية ام لم يرد باعتبارها اشتراكا في الجريمة الارهابية ويعاقب المحرض بصفته فاعل او شريك بالعقوبة المقررة بموجب هذا القانون وهي الاعلام فكل تحريض على العنف والغاء الرعب وتعريض حياتهم وحرياتهم وامنهم وممتلكاتهم للخطر او تخريب واتلاف الاموال العامة او على الاشتراك في العصابات المسلحة او اثارة فتنة طائفية او حرب اهلية او اقتتال طائفي او الاعتداء على دوائر الدولة او الهيئات الدبلوماسية او استعمال الاجهزة المتفجرة او الخطف وسوى ذلك من حالات التحريض التي يعاقب عليها قانون مكافحة الارهاب.
هيئة الاتصالات والاعلام وقواعد السلوك الاعلامي
صدر امر سلطة الائتلاف المؤقتة 65 في 20/ 3/ 2004 المنشور في الجريدة الرسمية 3982 حزيران 2004 متضمنا انشاء هذه الهيئة على ان تقوم بمهمة منح تراخيص لوسائل الاعلام باستثناء الجرائد التي لا يحتاج اصدارها الى موافقة وان تقوم بدور (كلب الحراسة) لرعاية المصلحة العامة من الوجهة الاعلامية كما ذكر ذلك القسم (1/ 6/) من القانون واوجب صدور ميثاق للسلوك للاعلاميين ومسؤوليتهم الاعلامية ومواثيق ممارسة المهنة وقد اعترف الدستور الجديد باستقلالية هذه الهيئة حيث ذكرها مع الهيئات المستقلة الاخرى المذكورة في المواد (102و 103و 104و 105و 106و 107و 134و 135و 136) في حين ان الدستور لم يذكر هيئة البث والارسال (خدمة البث العام او شبكة الاعلام العراقية) من بين الهيئات المستقلة. وانشأ القانون هيئة الاعلام والاتصالات مجلس مفوضين على مستوى عال من الخبرة في الشؤون القانونية والادارية والتجارية والتنظيمية (على الرغم من ان قانون الهيئة اشترط الخبرة القانونية كأول الخبرات في المجلس فان المجلس لايفهم قانونا خبيرا بين اعضائه) كما أوجب ذلك القسم (4/ 1/ د) وقضى قانون الهيئة بتشكيل لجنة استماع ممن لهم خلفية في مهنة القانون عند الخرق الخطير والفادح لمواثيق ممارسة المهنة والسلوك الاخلاقي والتراخيص وانشأ القانون ايضا مجلسا للطعن من قاض ومحام وعضو له خبرة مهنية واوجب القانون على الهيئة ادارة عمليات ترخيص خدمات الاتصال والاعلام في العراق وتأمين الاذعان للقواعد والاحكام والاوامر التي تصدرها الهيئة ومراقبة التقيد بها. ومن ذلك نلاحظ ان هذه الهيئة هي الهيئة المخولة بمتابعة المسؤولية الاعلامية واتخاذ الاجراءات القانونية بحق كل وسيلة اعلام تخرج من احكام ممارسة المهنة ومواثيقها.
وقد نشرت بعض الصحف في شهر كانون الثاني 2005 توجيهات من الهيئة لوسائل الاعلام اكدت ما ذكرناه سلفا من ان حق حرية التعبير ليس حقا مطلقا ويمكن ان يكون مقيدا حيثما يقتضي القانون ذلك وكان ضروريا لحماية مصالح الدولة والامن العام وطلبت الامتناع من بث المضامين التي تثير الاضطرابات او التحريض من ارتكاب العنف او الكراهية وكون هذه الامور وغيرها يمكن ان يكون اساسا للمسؤولية القانونية واوردت في هذه التوجيهات امثلة منها عدم التعامل مع الارهابيين والمجرمين وان على وسيلة الاعلام ان تقلل من اثر نشر الخبر مثالة ان نشر خبر يتعلق بقيام الجماعة الارهابية (س) بالقتل او الذبح بالامكان ذكر هذا الخبر دون ذكر اسم الجماعة ودون عرض صور الضحية.
المسؤولية الجزائية لوسائل الاعلام في قانون العقوبات
اذا كان قانون العقوبات العراقي يعاقب على التحريض على ارتكاب الجريمة من قبل وسيلة الاعلام في المادة (48/ 1) وان كان يشترط وقوع الفعل (القتل او الاعتداء او الاعتراف) بناء على هذا التحريض ويعاقب من تولى التحريض بنفس عقوبة من ارتكب الجريمة فعلا فان المادة (170) تعاقب على فعل التحريض على ارتكاب الجرائم الماسة بأمن الدولة الواردة في المواد (156- 169) ولو لم يترتب على التحريض اثر، اي ان الوسيلة الاعلامية تعاقب حتى ولو لم يترتب على التحريض ارتكاب الجريمة فالتحريض على المساس باستقلال البلاد والالتحاق بالعدو او الانفصال عن القوات العراقية والسعي لدى دولة اجنبية للقيام باعمال عدائية ضد العراق او معاونتها في العمليات الجربية او مساعدة العدو على الدخول الى البلاد او التحريض على خدمة الدولة الاجنبية او تسهيل دخول العدو او تخريب مما استعمل للدفاع عن البلاد والاضرار بمركز العراق او قيادة الجند او اداء خدمة للعدو. اذ ان جميع اشكال التحريض على هذه الافعال يعاقب عليها القانون بالسجن مدة لا تزيد على عشرة سنوات حتى ولو لم يلعد التحريض استجابة او قبول مع ملاحظة ان المادة (189) من قانون العقوبات تعتبر العدو الدولة والجماعة السياسية والعصاة المسلحين وكذلك لابد ان نلاحظ ان قانون العقوبات افرد فصلا خاصا للمسؤولية في جرائم النشر (المواد 81- 84) وحدد مسؤولية رئيس التحرير ومدير القسم والمؤلف والكاتب وقرر هذه المسؤولية حتى في حالة النشر عن مقالات في دول اجنبية تمت ترجمتها او نقلها الى الوسيلة الاعلامية الموجودة في العراق.
وختاما نقول ان النصوص والاحكام القانونية عديدة وكثيرة لمحاددة (الحد) من هذه الظاهرة الاعلامية والقضاء عليها طالما ان الوطن العراق هو المقصد والمواطن العراقي هو الهدف.
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر