أولاً: في التحديات التي تواجه التعريف
شغلت مسألة تعريف الإرهاب الدولي حيِّزًا كبيرًا من الأدبيلت السيلسية من جهة ومن النشاطات الدبلوماسية من جهة ثانية ومن المحاولات القانونية من جهة ثالثة.
والواقع أن مسألة تعريف الإرهاب الدولي كانت ولا تزال تصطدم بعدد من التحديات والتناقضات. ودارسو هذه المسألة مضطرون إلى النظر إلى بعض الضرورات الأساسية:
أ – ضرورة التمييز بين الإرهاب الداخلي – كعمل جرمي – الذي يقع ضمن إقليم الدولة ويخضع لقوانينها الجزائية وبين الإرهاب الدولي الذي يتجاوز تلك الحدود ويخضع، بالتالي، إلى أحكام القانون الدولي. ومع أن مضمون العمل قد يكون واحدًا في الحالين بقدر ما يتضمَّن عنفًا بحق المدنيين لتحقيق غرض معيَّن، ولكن موضوعنا يتعلَّق، هنا، بالإرهاب الدولي الذي يتميَّز عن الإرهاب الداخلي، وظيفيًا على الأقل، بعدد من العوامل منها: أنه يتعدَّى حدود الدولة وصلاحيتها الجزائية إلى دول أو مجتمعات أخرى خارجها(1). والإرهاب الدولي لا يقتصر على إرهاب الأفراد فحسب وحتى الجماعات التي يمكن أن تتورَّط في إرهاب داخلي وإنما يُعتبَر جريمة دولية بحق المجتمع الإنساني كله. فضلاً عن ذلك فإن الدولة ذاتها يمكن أن تتورَّط بعمل إرهابي مباشر أو غير مباشر في ما يقال له عادةً إرهاب الدولة بحق دول أخرى أو مجتمعات أخرى. وعلى هذا الأساس يشكِّل الإرهاب الدولي تهديدًا للسلام والأمن الدوليين ولا يقتصر على مخالفة نظام سياسي أو قانوني معيَّن. وهو يتخد أعمالاً ونشاطات دولية متعدِّدة بدءًا بالقرصنة ومرورًا بخطف الطائرات ووصولاً إلى ما يقال له "الإرهاب النووي".
ب – ضرورة التمييز بين الإرهاب بما هو عنف ضد المدنيين من أجل تحقيق غرض سياسي وبين المقاومة الوطنية من أجل تقرير المصير أو رفع الإحتلال. وقد حصل تباين ظاهر في مؤتمرات ولقاءات دولية عديدة بين من يصرُّ على شجب الارهاب "بصرف النظر عن بواعثه وأسبابه والقائمين به" وبين من يصرُّ على استثناء هذه المقاومة الوطنية المشروعة، وإن تضمَّنت بعض مظاهر العنف من الإرهاب الدولي المحظور. والمعروف، في القانون الدولي، أن ثمة إرهابيين محظورين بشكل حاسم هما إرهاب الأفراد وإرهاب الدولة، كما أن ثمة مقاومتين مشروعتين في القانون الدولي هما المقاومة من أجل تحقيق تقرير المصير والمقاومة الوطنية من أجل رفع الإحتلال(2) .
ج – ضرورة الإحاطة الكاملة بكل أعمال الإرهاب من خلال الاتفاق الدولي على تعريف موحَّد له. إلا أن الإرهاب الدولي يتنوَّع ويتشعَّب وفقًا للظروف والعلاقات الدولية من جهة، ووفقًا للتقدم التكنولوجي من جهة ثانية. لذلك يقتضي التمييز بين الإعتبارات السياسية التي تدفع بعض الدول إلى مواقف معيَّنة حيال عمل ما وبين الاعتبارات الدولية الموضوعية التي تسعى الإتفاقيات الدولية إلى إبراز هذه الأعمال كجرائم دولية موجَّهة ضد المجتمع الإنساني الأوسع.
ويلاحظ البعض ارتباطًا بين العمل الإرهابي وبين الحوافز الدينية التي تدفع إليه في بعض الأحيان. وبالتالي فإن هذه الإعتبارات لا تقتصر على الطابع السياسي وحده. ويمكن للحافز الديني ان يقوم بدور بارز في هذا المجال(3) .
د – ضرورة إدخال إرهاب الدولة وليس إرهاب الأفراد فحسب في سياق أي تعريف للإرهاب الدولي. وقد رفض بعض الدول مثل هذا العمل لكي لا يشمل دولاً كرَّرت إرهابها بحق الدول أو الشعوب الأخرى. وكان لهذا الرفض آثاره السيئة لدى بعض الدول التي عانت وما تزال إرهاب الدولة كما هي الحال بين الدول العربية وإسرائيل وإرهابها المتكرِّر. والواقع أن هذا العمل من إرهاب الدولة قد يتخذ أحيانًا ذرائع مختلفة ولكنها غير مقنعة وغير مبرَّرة قانونيًا كذريعة الدفاع عن النفس أو ذريعة الأعمال الزاجرة أو سواهما.
هـ - ضرورة اعتبار الإرهاب الدولي جريمة دولية تشكِّل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين وتندرج ضمن الجرائم الدولية الأخرى التي يعاقب عليها القانون الدولي بصرف النظر عن موقف القوانين المحلية منها. وعلى الرغم من بعض العوامل المشتركة للجرائم الدولية فإن هذا التعريف المطلوب يجب أن يشير إلى العلاقة بين الإرهاب الدولي وبين كل من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتكييف هذه العلاقة في حالات الحرب والسلم(4) .
و – ضرورة مواكبة التقدم التقني في أعمال الإرهاب الدولي. وإذا كان التعريف المعتمد دوليًا – كما سنرى – يعتبر أن عاملي العنف واستهداف المدنيين يشكلان ركنين أساسيين للإرهاب الدولي فإن بعض النشاطات الراهنة يندرج ضمن أعمال إرهابية أو تساعد على انتشارها من دون هذين العاملين حصرًا كأعمال التشويش الإلكتروني مثلاً أو غسيل الأموال أو ما شابههما.
وهنا يمكن أن يطرح السؤال الأساسي: هل يستقيم تعريف الإرهاب كعمل عنيف (أو تهديد به) ضد المدنيين؟ الواقع أن هذا التعريف يبقى قائمًا بالنسبة إلى إرهاب الأفراد أو الجماعات ضد الأفراد؛ ولكنه لا ينطبق على إرهاب الدولة الذي قد يتناول دولة أخرى أو قد يتناول الأفراد في داخل الدولة ذاتها وبأساليب مختلفة كمسألة التوقيف الإحتياطي أو تعليق نشاط أحزاب أو تعليق أعمال مؤسسات أخرى أو إلغائها... كل هذه الأعمال قد تحتمل صورة من صور إرهاب الدولة من دون ان تتقيَّد بحرفية الشرطين الواردين أعلاه (أي شرط العنف واستهداف المدنيين).
ز – وبالنتيجة فإن تعريف الإرهاب مسألة يتداخل فيها القانون مع السياسة. وهذا هو، ربما، الوجه الأكثر خطورة في إشكالية التعريف. وقد يستخدم بعض الدول ذريعة الإرهاب ويلصقها بدول أو مجتمعات أخرى من دون وجه حق لكي يستهدفها بعمليات زاجرة. وبذلك ينحرف التعريف في موضوعيته الشاملة إلى انتقائية زاجرة بحق الدول التي لا تستجيب لمطالب هذه الدولة أو تلك من صانعي القرار الدولي الراهن(5).
ثانيًا: المحاولات الخاصة للتعريف
على الرغم من هذه التحديلت المتقدمة الذكر فإن ثمة محاولات – اقتراحات – لتعريف الإرهاب الدولي:
– الإرهاب هو استخدام القوة أو التهديد بها من أجل إحداث تغيير سياسي، أو هو القتل المتعمَّد والمنظم للمدنيين أو تهديدهم به لخلق جو من الرعب والإهانة للأشخاص الابرياء من أجل كسب سياسي، أو هو الإستخدام غير القانوني للعنف ضد الأشخاص والممتلكات لإجبار المدنيين أو حكومتهم للإذعان لأهداف سياسية، أو هو، باختصار، استخدام غير شرعي ولا مبرَّر للقوة ضد المدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية.
ويخلص الكاتب الذي استعرض خلاصات عن هذه التعريفات إلى اقتراح تعريفه هو(6) للإرهاب الدولي وفيه: إن الإرهاب هو استخدام العنف ضد الأفراد الأبرياء من أجل الحصول على غايات عسكرية سياسية أو فلسفية من فريق ثالث، من الحكومة أو من مجموعة ما. العنف يجب أن يستهدف المدنيين الأبرياء. والإرهاب قد يكون سياسيًا أو عقائديًا من دون أي قيود قانونية أو خلقية.
وعلى كل حال فإن مكوِّنات العمل الإرهابي هي العنف المرتكب بأي وسيلة، والمسبِّب لأذى جسدي أو خسارة مادية، بحق الأفراد الأبرياء، بقصد ترويع الناس أو إهانتهم، ومن اجل الحصول على مكاسب معيَّنة، وذلك من دون تبرير ولا عذر(7).
واستعرض أحد الكتب الأخرى(8) تعريفات أخرى منها:
- الإرهاب هو استخدام أو تهديد باستخدام غير قانوني للقوة أو للعنف من قبل منظمة ثورية ضد الأفراد أو الممتلكات بقصد إكراه الحكومات أو المجتمعات وإذلالها لأغراض سياسية أو عقائدية.
- الإرهاب هو استخدام غير شرعي للقوة ضد الأشخاص أو الممتلكات لإذلال أو إكراه الحكومة والسكان المدنيين أو أي شريحة أخرى وذلك لتحقيق أغراض سياسية.
- الإرهاب هو عنف مخطَّط مسبقًا ومدفوع سياسيًا ضد أهداف غير عسكرية.
- الإرهاب سلوك جرمي عنيف يُقصد منه: إهانة أو إكراه السكان المدنيين، والتأثير على مسلك الحكومة لإذلالها وحملها على القيام أو الامتناع عن القيام بأمر ما(9) .
ولعل بعض الباحثين توسَّع في الجهات التي ترتكب العمل الإرهابي فذكر أن الإرهاب الدولي هو ذلك الفعل الذي يُرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو مذهبية... وتدخل فيه جميع الأفعال الإرهابية التي تحتوي على عنصر خارجي أو دولي سواء ارتكبها فرد أو مجموعة من الافراد أو من سلطات معيَّنة.
ويُستنتج من بعض هذه التعريفات أن معظمها يركِّز على السلوك المدفوع ببواعث سياسية وليس بدافع الربح ولا بدافع الدين. كما أن هذه التعريفات تشير إلى ممارسة العنف أو التهديد به(10) . هذا مع الإشارة إلى أن بعض ممارسات العنف قد يكون مدفوعًا بعوامل أخرى. وقد برزت هذه العوامل الدينية الأصولية مؤخرًا من جملة هذه الدوافع. وهذا الأمر حمل بعض المراقبين على التركيز على العمل الإرهابي بحد ذاته أكثر من البحث عن الحوافز التي دفعت إليه(11) .
ويستنتج أيضًا أن العمل الإرهابي يتضمَّن عددًا من العناصر المكمِّلة له بدءًا بممارسة العنف بحق ضحيَّة مدنيَّة معيَّنة سواء كانت فردًا أو مجموعة من الأفراد وذلك عن طريق الترويع أو الأذى وذلك انتظارًا لتحقيق مطلب معيَّن. وينتظر، في هذه الحالة، وانسجامًا مع مقتضيات الإرهاب الدولي، أن تكون الجريمة قد وقعت في أكثر من دولة أو أن يكون ضحاياها ينتمون إلى أكثر من دولة (12).
ويعتمد أحد الكتاب العرب تعريفًا للإرهاب الدولي جاء فيه: إن الإرهاب الدولي هو كل اعتداءعلى الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة بالمخالفة لأحكام القانون الدولي العام بمصادره المختلفة، بما في ذلك المبادئ الأساسية لمحكمة العدل الدولية(13) . ويؤكد صاحب هذا التعريسف أن الإشارة إلى أحكام القانون الدولي تساعد في تصنيف العمل الإرهابي على أنه جريمة دولية تقتضي معاقبتها من قبل الدول كافة.
أما على الصعيد الإقليمي فإن القوانين الجزائية المحلية لمعظم الدول أوردت تعريفات محدَّدة للإرهاب ولمعاقبة مرتكبيه. كذلك فإن المنظمات الإقليمية قامت بإصدار تعريف للإرهاب أيضًا. ولعل أبرز هذه التعريفات:
- التعريف القانوني الأميركي: الإرهاب الدولي هو الذي يستهدف المواطنين أو ممتلكاتهم في أكثر من بلد. وهو المدفوع بعوامل وأغراض سياسية والذي يستهدف أشخاصًا غير محاربين ... وقد تمارس مجموعة إرهابية مثل هذه الأعمال(14) . وكان الرئيس جورج بوش الإبن قد أعلن أنه لا يوجد فرق بين من يرتكب الإرهاب ومن يحضُّ فاعله.
- التعريف الذي ورد في المعاهدة العربية لمكافحة الإرهاب العام 1998 وجاء فيه: أي عمل أو تهديد بالعنف، بصرف النظر عن بواعثه ومقاصده، في سبيل تحقيق أجندة جرمية، يسعى إلى تخويف الناس من خلال أذيتهم أ تعريض حياتهم، وحريتهم، وسلامتهم للخطر، أو تعريض البيئة والممتلكات للدمار من أجل أغراض إرهابية(15) . وقد حرصت النصوص العربية الرسمية على التمييز بين الغرهاب المحظور والمقاومة المشروعة من أجل تقرير المصير ورفع الإحتلال.
- أما منظمة الدول الغسلامية فقد صنَّفت الإرهاب (في 1/7/1999) على أنه: أي عمل من العنف أو التهديد به، يندرج ضمن مخطَّط جرمي ويهدف إلى ترويع الناس وتهديدهم في حياتهم وشرفهم وحريتهم وسلامتهم... وبذلك يسبِّب تهديدًا للاستقرار وللوحدة الإقليمية ولسيادة الدول المستقلة(16) .
بالإضافة إلى ذلك فإن عددًا من الإتفاقيات الإقليمية الأخرى وعلى مستوى المنظمات الإقليمية ذاتها، قد أصدرت تعريفًا محدًدًا، في نظرها، للإرهاب الدولي. ويبدو أن معظم هذه التعريفات متفقٌ على العناصر الثلاثة للإرهاب الدولي: العنف أو التهديد به واستهداف المدنيين الأبرياء أي غير المتحاربين، وتحقيق أهداف سياسية أو تنفيذًا لدوافع سياسية.
ولا بد من الإشارة، هنا، إلى إرهاب الدولة بالذات وهو الذي يمكن أن يُعرَّف بالاستناد إلى بعض الوقائع من دون التأكيد على تعريف دقيق وواضح لهذا الإرهاب. فقد يتمَُّل إرهاب الدولة في خطف أعداء الحكومة أو اغتيالهم بواسطة مخابراتها أو قواتها العسكرية، أو يتمثَّل باعتقالهم بشكل تعسُّفي أو تعذيبهم أو ترحيلهم...إلخ(17) .
والواقع أن هذه الأنماط من إرهاب الدولة لا تقتصر على الأنظمة الديكتاتورية فحسب فقد تحصل كذلك، وإن بحالات أقل تداولاً، في الأنظمة الديمقراطية أحيانًا.
والمعروف أن الحكومة، أي حكومة، ملزمة حماية حقوق الإنسان واحترامها، وبذلك فهي تلجأ إلى العنف إلا في حالات خاصة واستثنائية ومبرَّرة(18) وفقًا لمعايير القانون الدولي وليس في ما يبرِّره النظام السياسي وحده. ومن الأمور المستقرة في القانون الدولي أن استهداف المدنيين الأبرياء واستخدام العنف غير المبرَّر بحقِّهم إنما يشكِّل انتهاكًا فاضحًا للقانون الإنساني الدولي(19) .
والواقع أن الدولة التي ترعى الإرهاب ضد دول أو مجتمعات أخرى إنما تكون قد تورَّطت في حرب غير معلنة معها، وبالتالي تصبح مسؤولة دوليًا عن هذه الحرب ذات الشحن المنخفض(20) Low – Intensity Warfare.
وإذا كانت أعمال "إرهاب - الدولة" تتمُّ غالبًا بشكل غير مباشر فإنها قد تُقدِم أحيانًا على أعمال إرهابية مباشرة عن طريق قواتها المسلحة النظامية ضد دولة أخرى أو عن طريق ترويع هذه الدولة الأخرى أو ترويع السكان المدنيين فيها وذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية معيَّنة(21) . وهنا يمكن أن يتداخل العمل وتعريفه ضمن جرائم متعدِّدة. فقد يصنَّف عملاً عدوانيًا بصرف النظر عن ذرائع الدفاع عن النفس إذا خالف العمل أحكام المادة 51 وشروطها من ميثاق الأمم المتحدة. وقد يُصنَّف أيضًا عملاً انتقاميًا أو زاجرًا ولكن من دون تبرير موضوعي مقنع. وقد يُصنَّف أيضًا إساءة استخدام حق الدفاع عن مواطني الدولة (المعتدية) في الخارج ... إلخ.
* أستاذ في القانون الدولي
يتبع ...
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر