لسنوات عدة, قام العديد من مناصري خلق الأميركيين والذين تلقوا الأموال مقابل خدماتهم, بالظهور وبشكل ملفت على القنوات التلفزيونية بالنيابة عن هذه المنظمة الإرهابية المعارضة لنظام حكم إيران والمُدرجة في قائمة الإرهاب الدولي لوزارة الخارجية الأميركية.
وقال مسؤولون في الولايات المتحدة بأنه بعد مضي شهور من التفاوضات المعقدة, بدأت عناصر خلق بالتحرك أخيراً خارج مسكنهم المغلق الواقع في العراق والمتمثل بمعسكر أشرف القريب من الحدود الإيرانية. إلا أنه يبدو بأن المناصرين الأميركيين لهذه المجموعة أصبحوا عائقا كبيرا في طريق الجهود الدولية الرامية إلى نقل عناصر خلق إلى مكان جديد في العراق أيضا لغرض تجنب الصدامات الدامية مع الجيش العراقي.
وقام الممثل الخاص لمنظمة الأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر بمساعدة من السفارة الأميركية ووزارة الخارجية ببذل جهود كبيرة في عملية نقل عناصر خلق إلى قاعدة ليبرتي التي كانت سابقاً قاعدة عسكرية تابعة للجيش الأميركي في مطار بغداد. وتم نقل 400 عنصر إلى ليبرتي في الشهر الماضي في مرحلةٍ أولى. وأفادت وكالة رويترز وصول 400 عنصر آخرون في مرحلةٍ ثانية إلى ليبرتي في الخميس الماضي.
هذا وقد عملت منظمة الأمم المتحدة وحكومة الولايات المتحدة دون كلل أو ملل في الأشهر الأخيرة لتجنب المواجهات العنيفة بين عناصر خلق والحكومة العراقية المصممة على إخراج هذه العناصر من قاعدة أشرف والتي تحوي أكثر من ثلاثة آلاف عنصر سكنوا في هذه القاعدة لسنين طويلة ويشتبه باقتنائهم معظمهم للسلاح. حيث حاولت الحكومة العراقية في السابق ولمرتين دخول أشرف إلا أن الأمر أدى إلى مواجهات دامية.
لكن جهود الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأميركية ووجهت بضغوط كبيرة الأمر الذي أدى إلى تعقيد الأمر نتيجة لقاعدة الدعم القوية المفاجئة في واشنطن لمنظمة مجاهدي خلق. ففي الأسابيع القلائل الأخيرة, قام ساسة ومسؤولون متقاعدون من الحكومة الأميركية الذين اعترف العديد منهم بتقاضي أموالا من خلق أو الشركات التابعة لها, بحملات إعلامية كبيرة يتهمون بها منظمة الأمم المتحدة وحكومة الولايات المتحدة بإجبار عناصر خلق دون إرادتهم على العيش في ظروف لا تليق بالبشر في قاعدة ليبرتي, وهذا اتهام يصفه مسؤولو الحكومة في الولايات المتحدة بكونه غير صحيح فضلا عن كونه غير مجدي.
وقال مسؤول آخر لمركز البرقيات ( كايبل ) الخاص بالسياسة الخارجية " إن الأمر صعب للغاية دون أن يزيد المناصرون المستأجَرون الأمر سوءا."
ذكر إعلان في صحيفة نيويورك تايمز في الثالث من مارس الجاري بأن " قاعدة ليبرتي: سجن المنشقين الإيرانيين في العراق." ومن المثير للدهشة أن نيويورك تايمز وصفت المعسكر الذي قطنه الجيش الأميركي بكونه غير مناسب للاستخدام البشري. تضمن الإعلان أيضا مقتبساً للعمدة الأسبق لولاية نيويورك رودي جيولياني يطلق فيه على قاعدة ليبرتي اسم " معسكراً للاعتقال." وهذا اتهام أطلقه جيولياني أيضا في مؤتمر أشرفت عليه منظمة مجاهدي خلق في باريس. وتضمن الإعلان في صحيفة نيويورك تايمز أيضا مقتبسات لشخصيات أخرى مثل الرئيس الأسبق للجنة الديمقراطية الوطنية وحاكم ولاية فيرمونت سابقا هاورد دين, ووزير الأمن الوطني الأسبق وحاكم ولاية بنسلفانيا سابقا توم ريدج, وأستاذ القانون في جامعة هارفرد آلان ديرشويتز, حاطّين من قدر قاعدة ليبرتي.
ولكن طبقا لما ذكره أحد المسؤولين في إدارة أوباما حرفياً والذي يعمل على هذه القضية بأن حقيقة الأمر هي أن منظمة خلق بنفسها التي تحط من قدر قاعدة ليبرتي. ذكر هذا المسؤول أيضا بأن منظمة الأمم المتحدة أرسلت تقريراً يفيد بأن عناصر منظمة خلق بدؤوا يتسببون بالضرر للقاعدة من خلال بعثرة النفايات والتلاعب بالخدمات والمرافق الصحية لجعل الأمور تبدو أسوأ مما هي عليه. وبينما هناك مشاكل يمكن اعتبارها شرعية في القاعدة, كما أفاد المسؤول, إلا أن المراقبة اليومية الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة في القاعدة لماء الشرب وأنظمة الصرف الصحي والأنظمة الغذائية تفيد بأن ظروف القاعدة أفضل بكثير مما يصوره عناصر منظمة خلق.
إن هذا الإعلان لصحيفة نيويورك تايمز ما هو إلا حلقة أخرى من حملة بملايين الدولارات شنّتها منظمة خلق ومن يسندها لضم ساسة كبار وصناع سياسة في الولايات المتحدة في محاولة منهم لإزالة اسم المنظمة من قائمة وزارة الخارجية الأميركية الخاصة بمنظمات الإرهاب الدولي, بالإضافة إلى مقاومة المحاولات العراقية لإغلاق معسكر أشرف والتي ترى فيه الحكومة العراقية الجديدة قاعدة ذات توجه عسكري في سيادة أراضيها.
تضمنت هذه الحملة أيضا مسيرات هائلة أمام مبنى وزارة الخارجية, وجلوس بكميات كبيرة في جلسات الاستماع الخاصة بالكونغرس, حتى إنهم تحشدوا ليلا أمام الشارع المؤدي إلى مدخل وزارة الخارجية. وروجوا هناك إلى دعم منظمة مجاهدي خلق من قبل الساسة والمسؤولين مثل: عضو الكونغرس جون لويس, وحاكم ولاية بنسلفانيا السابق إيد رينديل, والمدير السابق لجهاز المباحث الفيدرالية لويس فريه, والسيناتور السابق روبرت توريسيلي, والعضو السابق في الحزب الجمهوري باتريك كينيدي, والمستشار السابق للأمن الوطني الجنرال جايمس جونز, ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق الجنزال ريتشارد مايرز, ورئيس هيئة الأركان الأسبق في البيت الأبيض آندي كارد, والجنرال المتقاعد ويسلي كلارك, والعضو السابق في الحزب الجمهوري لي هاملتون, والمدير السابق لجهاز الاستخبارات الأميركية بورتر غوس, والمستشار الأقدم لحملة رومني ويشيل رايس, والجنرال المتقاعد أنتوني زيني, والسيناتور السابق إيفان بايه.
وذكر المسؤول أيضا لكايبل بأنه بينما تستمر المفاوضات بشكل سلس بين منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والحكومة العراقية ومنظمة خلق, يظهر دور هؤلاء المناصرين المدفوعي الثمن والذي أصبح غير مجديا, ويحتمل أن يشكل خطراً.
وعبّر عن دور هؤلاء الأميركيين المناصرين لخلق قائلاً: " يجب على الأميركيين المناصرين لمنظمة مجاهدي خلق, والذين يدعون بأنهم يريدون وضع الحلول الجيدة, معرفة بأنهم لا يتسببون إلا بالضرر لهذه المنظمة. فهؤلاء المناصرون ليسوا إلا مجموعة كسَلة أو متعجرفين إلى حد ما بحيث لم يقوموا حتى بدراسة ما يفعلون الآن. ذلك لأنهم لم يقضوا وقتا في تعلُّم الحقائق التي يودون إسقاطها بشكل مفاجئ. لذا نرى بأنهم يقبلون بخط منظمة مجاهدي خلق دون أدنى سؤال. ونحن في الحكومة لدينا خطة من شأنها أن تعمل بشكل صحيح والحكومة العراقية من جانبها تريد لهذه الخطة النجاح. فموقف منظمة خلق غير واضح لأنهم يأخذون بنصيحة هؤلاء الذين تظهر أسمائهم في هذه الإعلانات.
وأوضح المسؤول أيضا " فيما إذا كانت منظمة خلق تريد الحل المتوفر أو المصادمات الدامية, هاتان وجهتان لا يزال النزاع قائم عليهما, إن الأمر سيء إلى هذا الحد."
فالعلاقة بين المناصرين الأميركيين وقيادة منظمة مجاهدي خلق التي تترأسها مريم رجوي المقيمة في باريس, أدت بكل منهما إلى السعي وراء إستراتيجيات من شأنها أن تتجاهل المخاطر الكبيرة التي تنتج عن عرقلة خطة الانتقال هذه من معسكر أشرف إلى قاعدة ليبرتي. فمريم رجوي خلقت من نفسها شخصية دينية لا منافس لها في حكم منظمة خلق كملكة لا يستطيع أحد منازعتها في حكمها.
ذكر المسؤول أيضا بأنه " إن الملكة الغير مستقرة كفاية ( مريم رجوي ) قامت بتوظيف حفنة من متملقي المحاكم لكي يقولون لها بأنها عظيمة وهذا أمر قد لا يكون فيه ضير, باستثناء أنها نسيت بأن الذين قامت بتوظيفهم هم مجرد متملقين في المحاكم. فهي تعتقد بأنهم مستشارين بالفعل, الأمر الذي أدى إلى تهميش مستشاريها الخاصين بسبب أولئك القائلين لها " أيها الملكة ... إن عظمتك ستسبب لأعدائك السقوط والانحناء على رُكَبِهم", وما يزيد الأمر سوءا هو أنها أخذت تصدق ذلك".
إن تمكين مريم رجوي في إطاعة أسوأ رغباتها, وتشجيعها للاعتقاد بأنها أكثر قوة ونفوذ, لا يسهم إلا في خلق أزمة, وهذا بالضبط ما نحاول تجنبه. وهناك مثال آخر على عدم جدوى المستشارين الأميركيين هو مطالبة منظمة خلق بالانتقال بشكل جماعي إلى الأردن. وهذه فكرة قال عنها المسؤول بأنها جاءت من أصدقاء المنظمة الأميركيين. ولكن هناك مشكلة صغيرة... لم يقم أي أحد بطلب ذلك من الأردنيين. وأجاب أيضا:
"لأن في عمل ذلك ما هو إلا تخريب لأقرب الفرص المتوفرة, فمن خلال إعلان الانتقال إلى الأردن كمطلب عام للمنظمة دون استشارة الأردنيين في الأمر ما هو إلا نسف لهذه الفرصة.... ولماذا قد يقبل الأردنيون بتكبد مثل هذا الشقاء... من خلال إعطاء هذه العناصر قاعدة ذات توجه عسكري وديني وحكم داخلي؟".
من جانب آخر, أملَ المسؤولون في الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة بفتح باب النقاش مع الأردن حول إمكانية استضافة بعض من هذه العناصر في الحالات الطارئة مثل حالات تصادم أو حالات عنف أخرى. إلا أنه وبسبب أفعال منظمة خلق الأخيرة أصبح ذلك أمر صعب جداً.
أوضح المسؤول كذلك بأنه "أي كان من نصحهم بفعل ذلك, أدى إلى تدمير حل إنساني محتمل. فهؤلاء المناصرون غير فعّالين وهذا واضح للعيان."
إن وصول العناصر إلى قاعدة ليبرتي في وجبتهم الثانية يوم الخميس الماضي قد يوضح لمنظمة خلق بأن الحكومة العراقية لم تعد تريدهم في أشرف ولن تسمح لهم بالبقاء فيه, إلا أن هذه المجموعة قد لا تزال تخفي بعض من خدعها تحت الرداء..." وستعمل منظمة خلق على المماطلة والتأخير والإرباك والإنكار والالتفاف حتى تتواجه بكارثة وشيكة, بعدها ستقدم أكثر مما ينبغي لغرض تفادي تلك الكارثة, فالمشكلة هي أنه: إن كنت تلعب دور الجبان, فلا بد لك في نهاية المطاف أن تتصادم مع ما تخاف منه."
فورن بوليسي
الثامن من مارس لعام 2012
ترجمة: حاتم فرحان علي
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر