الأنوار المطهرة (1)

الکتاب الذي بین أیدیکم هو حاصل تدوین وتبویب مقالات ومحاضرات ولقاءات أستاذ الحوزة الکبیر آیة الله مصباح یزدي والتي تحدث فیها عن بعض من جوانب حیاة وأفکار الشهید مرتضی مطهري وخدماته العلمیة والثقافیة .


مقدمة قسم البحوث في مؤسسة الإمام الخمیني (ره) البحثیة والتعلیمیة علی الکتاب :

الحقیقة هي السر الخالد والأصیل والأجمل للوجود وهي حاجة إنسانیة لا بدیل لها ،وهي التي قدم العلماء الصادقون والمؤمنون الأرواح من أجلها ، وهي التي حاک ضدها الجهلة والغواة المؤامرات والمکائد یریدون محوها ومسخها .

وما أحلاها من حقیقة ، حقیقة أنه عند تقابل الحق والباطل فالحق هو دائما المنتصر والعزیز والباطل ممحوق و مخذول ، وإن هذا المقام العالي للحقیقة بالإضافة إلی مصیر الحق تدین إلی المساعي والجهود الخالصة والمخلصة لطلبتها والذین شمروا عن سواعدهم في مجال العمل والنظر وقطعوا ارتباطهم مع الدنیا ، وهنا یبدو الدور الأبرز للرسل والأدیان السماویة وبالأخص دین الإسلام وللرسول الأکرم والأئمة من بعده علیهم السلام .

وقد رأی علماء الشیعة الکبار أن رسالتهم الخطیرة والفریدة تتمثل في الإستفادة من العقل والنقل والغوص في بحر المعارف القرآنیة واستخلاص جواهر الحقیقة الأصیلة من سیرة السلف والإستعانة بها لوقف آلام البشریة والدفاع الحاسم والحازم ضد هجوم عبدة الظلام وأعداء الحقیقة .

والیوم نحن نعیش في عصر أزمة المعنویات عصر یسعی فیه أعداء الحقیقة والإنسانیة إلی السیطرة علی العالم عن طریق نشر الأفکار والآثار السامة وعن طریق استخدام أنواع الوسائل المتطورة المادیة والبرمجیة في المجالات المختلفة ، وهنا تظهر أهمیة وصعوبة رسالة طالبي الحقیقة والعلماء في الحوزات وفي الجامعات وعلی الأخص علماء الدین .

.... الهدف الأصلي للکتاب إلقاء الضوء علی زوایا من حیاة الشهید مرتضی مطهري وعرض لأفکاره وجهوده العلمیة والثقافیة وتقدیمها للقرآء .

مقدمة :

قال الإمام محمد الباقر علیه السلام : «عالم ینتفع بعلمه أفضل من سبعین ألف عابد ».

لقد کان الشهیدآیة الله مطهري أحد علماء الشیعة الذین کتبوا و ألفوا في مختلف مجالات العلوم الإسلامیة وذلک انطلاقا من أسس البصیرة العلمیة والمعرفتیة بالتوازي مع الإشراق الباطني للمعنویات والقیم والفضیلة ومن موضع الإلتزام والتدین والیقظة والغیرة علی الدین ، وفي مؤلفاته تلک اعتمد الشهید مطهري علی المصادر القرآنیة والروائیة وعلی البراهین العقلیة مستخدما أسلوبا بدیعا جذابا ، وقد عمد فیها إلی تلبیة الإحتیاجات الفکریة لجیل الشباب وجمیع العطاشی للمعارف الحقة الأصیلة .

وقد کان للشهید مطهري اطلاع واسع علی الثقافة الإسلامیة وکانت جمیع دراساته وتحلیلاته بعیدة عن التعصب وتأثیر المشاعر والأحاسیس ، لقد کان یشرح ویفسر المواضیع الإعتقادیة والمباني الفکریة للأمة الإسلامیة بلسان معاصر وقد کان ثابت القدم راسخ الإیمان في جهاده في هذا المضمار .

وقد کان یعتبر عمله ذاک واجبا شرعیا ووجدانیا ودینیا من أجل تفعیل حرکة النهضة الإسلامیة الأصیلة ولم یتأثر بالدعایة والمحاربة التي کان یتعرض لها من التیارات الفکریة المختلفة المتفشیة آنذاک .

لقد کان یتمتع هذا العالم المخلص بخصال ثلاث الإیمان بالعلم والإنصاف وطلب الحق ، وعندما کان یحکم علی الظواهر الثقافیة والإجتماعیة المختلفة کان یتخذ من الإیمان والتقوی معیارا لحکمه وکان یبتعد عن النظرة الأحادیة والمغرضة ، وحتی عندما کان یتحدث عن الإتجاهات المخالفة وینقد إنحرافاتها کان دوما یلتزم جانب الإنصاف ویجتنب المیول والأهواء .

والشهید مطهري کان محبا للحق طالبا له وکان یؤکد دوما أن الإسلام هو دین الفطرة ودین البرهان والمنطق ومن هنا لم یکن یعمل علی إستخدام القوة والعنف لفرض عقیدته علی الآخرین ، لم یکن یوفر أي جهد في کسب العلم والمعرفة وقد کان واحدا من عدد قلیل من فضلاء الحوزة الذین کان لدیهم إرتباط علمي وثقافي مع الجامعات وأهلها ، وکان یتجنب المغالطات أثناء مناقشاته الفکریة والإعتقادیة مع المتعلمین .

لقد کان دلیلا للحائرین في ظلمات الشبهات وکان في مقدمة جبهة مواجهة الأعداء وکان یعمل علی توعیة الجمیع ، لقد رفض بشدة فکرة فصل الدین عن الدولة أو التفریق بین العلم والإیمان ، وقد فتح بابا واسعا للجمیع بأنه یمکن أن یکون لدیهم أیمان واعتقاد دیني متزامنا مع النظرة العمیقة الإجتماعیة والثقافیة ومع الوعي السیاسي وهذا الأمر واضح جدا في آثاره ،لقد کان الشهید مطهري ینادي بوجوب کون الدراسات الدینیة سبیلا لحل المشکلات الثقافیة والإجتماعیة ، وإذا لم یحصل ذلک فإن البحث أو الدراسة بدل أن تکون طریقا لحل العقد سوف تصبح هذه الدراسة سببا في بروز مزید من المشاکل .

في زمن التخلف والإغتراب والمسخ الفکري والعقائدي والإبتذال الثقافي کان الشهید مطهري یحرک القلوب بإشاراته النورانیة لتصحو من الغفلة والضیاع وتعود إلی أصالتها وإلی قیمها وهویتها الحقیقیة .

وإن شخصیة هذا الحکیم العالم المتعددة الأبعاد توجب إعادة دراسة أبعاد شخصیته الإنسانیة والفکریة بشکل کامل ودقیق ، ومن البدیهي أن السعي من أجل تحقیق هذا الهدف والوصول إلی ذلک الأدراک والفهم لشخصیة لشهید مطهري في جمیع حالاتها وجوانبها فیه الکثیر من المحاسن والإمتیازات التي یصعب حصرها .


ترك تعليقاتك

إدراج تعليق كزائر

0
سيصل رأيک إلی مدير الموقع
  • لا توجد تعليقات