أثارت سلسلة التفجيرات الأخيرة التي وقعت في العاصمة الأفغانية كابول ومدينة مزار الشريف الشمالية، المخاوف من العمليات الإرهابية في أفغانستان، وأهداف الأجندات السياسية التي تقف ورائها، فضلا عن التنظيمات والخلايا التي خططت وقامت بارتكاب تلك العمليات وما سبقها من استهداف للشيعة الأفغانية.
وعلى الرغم من أن أصابع الاتهام تشير الى تورط جماعة عسكر جنقوي المرتبطة بالقاعدة والمتهمة أيضا بإشعال الحرب الطائفية في العراق، إلا أنها لم تعلن من قبل مسؤوليتها عن هجمات في أفغانستان، وبدورها نفت طالبان المسؤولية عنها.
كما قد أثار المحللون مخاوف من وقوع المزيد من العنف الطائفي في أفغانستان بأعقاب تلك الهجمات، غير أن القادة الشيعة حثوا على التحلي بالهدوء على خلفية الهجمات.
ومن الجدير بالذكر أن إحياء المناسبات الشيعية كان محظورا إبان حكم طالبان، ويمثل الشيعة 20 في المائة من تعداد سكان أفغانستان.
تفجيرات
فقد شيع الأفغان جثامين 59 شخصا قضوا في انفجارات غير مسبوقة استهدفت الشيعة فيما اتهم المسؤولون مسلحين باكستانيين بالسعي لإثارة اعمال عنف طائفي على شاكلة ما يجري في العراق، ويسعى المحققون لمعرفة الجهة المسؤولة عن الهجمات المنسقة التي شهدتها العاصمة الافغانية كابول ومدينة مزار الشريف الشمالية والتي نفت طالبان المسؤولية عنها، وفي تلك الإثناء قتل 19 أفغانيا في احدث انفجار قنبلة على احد الطرق في ولاية هلمند بجنوب البلاد، وبذلك يبلغ عدد القتلى في أفغانستان 78 شخصا، وحمل الرئيس الأفغاني حميد كرزاي جماعة عسكر جنقوي الباكستانية المتطرفة مسؤولية تفجير حسب ما صرح متحدث رئاسي أفغاني، ومن المتوقع أن تؤجج هذه التصريحات التوتر القائم اصلا بين كابول واسلام اباد التي قاطعت مؤتمر بون حول مستقبل أفغانستان عقب ضربات للحلف الاطلسي اسفرت عن مقتل 24 جنديا باكستانيا، وقال المتحدث الرئاسي إعمال فيضي قال الرئيس انه يحمل جماعة عسكر جنقوي المتشددة التي تتخذ من باكستان مقرا لها المسؤولية، في إعقاب التقارير عن تبني تلك الجماعة مسؤولية الهجوم، وهي الجماعة التي تتهم بقتل الكثير من الشيعة في باكستان.
وتابع المتحدث قال الرئيس انه سيطالب باكستان باتخاذ اجراءات فعلية في هذا الصدد حيث ان هذه الجماعة تتمركز في باكستان لكي يتم إحقاق العدالة، وأدلى كرزاي بهذه التصريحات خلال تفقده لمصابين جراء الهجوم في المستشفيات، وكان كرزاي عاد الى كابول في وقت سابق بعد قطع جولته الى اوروبا لملاحقة تداعيات الهجوم غير المسبوق على الشيعة الافغان، وجماعة عسكر جنقوي المرتبطة بالقاعدة المتهمة باشعال الحرب الطائفية في العراق لم تعلن من قبل مسؤوليتها عن هجمات في افغانستان، وتشير مصادر الى انه ان كانت عسكر جنقوي او مسلحون اخرون باكستانيون قد دبروا الهجمات فربما يكون ذلك قد تم بتسهيل من طالبان افغانستان، وجاء الهجوم على الشيعة مع احيائهم ذكرى عاشوراء ليمثل اول هجوم كبير من هذا النوع في افغانستان، وأدى الانفجاران المتزامنان الى مخاوف من انزلاق البلاد نحو عنف طائفي في افغانستان، التي تفادت حتى الان هذا النوع من الهجمات التي تقع بين السنة والشيعة كما في العراق وباكستان، كما عزز الانفجار على الطريق، الذي اودى بحياة نساء واطفال، المخاوف من عدم الاستقرار في افغانستان على الرغم من المساعي المستمرة منذ عشر سنوات لإرساء الاستقرار والتي تكلفت حياة الالاف فضلا عن مليارات الدولارات، وفي كابول تم تشييع العديد من ضحايا تفجير الضريح الشيعي وسط مشاهد مؤلمة، وسار المئات عبر الشوارع غرب المدينة يكبرون ويشيعون جثثا نحو المدافن، وقال المتحدث بلسان شرطة كابول حشمت ستانيكزاي ان تشييع الجثث جرى بهدوء حتى الان علة الرغم من تحسب الشرطة من وقوع إعمال عنف، وأضاف كانت الشرطة مستعدة لمواجهة اي تهديدات محتملة خلال الجنازات، والحمد لله لم تطرأ حوادث أمنية حتى ألان.
وأكدت السفارة الأميركية ان مواطنا أميركيا كان بين 55 شخصا قتلوا في هجوم كابول دون الكشف عن مزيد من التفاصيل، وفي تلك الإثناء أكدت مديرية الاستخبارات الافغانية ان تحقيقا في الهجوم يجري في الوقت الراهن، وقال صديق صديقي المتحدث بلسان وزارة الداخلية الافغانية ان الهجوم من فعل طالبان وانصارهم مضيفا ان لا احد غيرهم ينفذ مثل تلك الهجمات الانتحارية في افغانستان، وصرح مسوؤل امني افغاني دون الكشف عن اسمه ان منفذ التفجير من منطقة كورام بالحدود الباكستانية ويرتبط بجماعة جيش الصحابة المرتبطة بعسكر جنقوي، وعادة يلقي الافغان باللوم على الباكستانيين في تأجيج العنف في بلادهم، وكانت عسكر جنقوي بين جماعات شاركت في عملية اختطاف وقطع رأس الصحافي دانيال بيرل مراسل صحيفة وول ستريت جورنال في باكستان عام 2002، والجماعة تشتهر بالتفجيرات الانتحارية وغيرها من الهجمات التي تستهدف الشيعة في باكستان. بحسب فرانس برس.
وقال المصدر الأفغاني ان الهجوم يهدف الى تأجيج العنف الطائفي في افغانستان دون ان يدلل على قوله، وأضاف المسؤول هذا ليس عمل طالبان، وان كانوا قد تورطوا فبشكل محدود جدا، وألمح مسؤول امني غربي رفض الكشف عن اسمه الى تورط باكستاني محتمل وان شدد على انه من غير الواضح ما اذا كان الدعم الباكستاني المفترض مؤسسيا، ويجري الحديث عن صلات بين عسكر جنقوي والاستخبارات الباكستانية، وقال المسؤول الغربي "ننظر بالاخص في حركة طالبان باكستان وان لم يكن لدينا في الوقت الراهن اي دليل، وعبر المصدر عن اعتقاده بان الهجوم يهدف لإضعاف المجتمع الافغاني، وقال مسؤول امني باكستاني رفض ايضا الكشف عن اسمه ان عسكر جنقوي ترتبط ارتباطا وثيقا بطالبان باكستان، ولكنه اضاف ان تلك الجماعة مطاردة وليس لديها القدرة على تنفيذ هجمات داخل افغانستان، خاصة في كابول، وكان محللون قد اثاروا مخاوف من وقوع المزيد من العنف الطائفي في افغانستان في اعقاب تلك الهجمات، غير ان القادة الشيعة حثوا على التحلي بالهدوء على خلفية الهجمات.
الرئيس كرزاي
في سياق متصل ألغى الرئيس الأفغاني حامد كرزاي زيارة كانت مقررة لبريطانيا في أعقاب تفجيرات التي استهدفت تجمعات شيعية في كابول ومزار الشريف أثناء إحياء ذكرى عاشوراء، وكان كرزاي يعتزم إجراء محادثات في بريطانيا مع رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بعد مشاركته في مؤتمر عقد في بون في ألمانيا حول مستقبل بلاده بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي المقرر عام 2014، وفي الوقت ذاته تشهد بعض المناطق بإقليم هلمند اضطرابات على الرغم من أن تخضع لسيطرة القوات الأمنية الأفغانية، ومن المقرر أن يسلم الناتو ثلاث مناطق أخرى إلى القوات الأفغانية، وكثيرا ما يقوم متمردون تابعون لحركة طالبان بزرع قنابل في الطرقات بغية استهداف القوات الحكومية والقوات الأجنبية الموجودة داخل البلاد ويوجد في أفغانستان قوات دولية يبلغ قوامها نحو 140,000 جنديا، أغلبيتهم من الولايات المتحدة، وتساعد القوات الدولية قوات الحكومة الأفغانية في قتالها ضد المتمردين. بحسب البي بي سي.
وذكرت الأمم المتحدة أن عدد القتلى بين صفوف المدنيين الأفغان في أعمال العنف ارتفع بمقدار 15 في المائة خلال الأشهر الستة الأخيرة، حيث وصل عددهم إلى 1462، ويقال إن المسلحين مسؤولون عن استهداف 80 في المائة من القتلى المدنيين.
انتهاكات الحقوق
من جانبها قالت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية أن الحكومة الأفغانية وقوات التحالف فشلت في ارساء دعائم حقوق الانسان وحكم القانون في افغانستان منذ نهاية حكم طالبان مما يصيب الافغان بخيبة أمل ويجعلهم عرضة للانتهاكات، وقالت المنظمة في تقرير اصدرته قبل مؤتمر مهم بشأن مستقبل افغانستان يعقد في بون انه خلال عشر سنوات من اطاحة قوات تدعمها الولايات المتحدة بحكومة طالبان فشلت اجراءات حماية المرأة وتعزيز حكم القانون، وأضافت أن نظام العدالة الافغاني ما زال ضعيفا وان المرأة الافغانية لا تجد عادة حتى سبل الحماية الأساسية، وقال براد ادمز مدير قطاع اسيا في هيومان رايتس ووتش حقوق الانسان وعلى الاخص حقوق المرأة اعتبرت من المكاسب الرئيسية لهزيمة حكم طالبان عام 2001، لكن بعد عشر سنوات ما زال العديد من الحقوق الاساسية محل تجاهل وعدم الاهتمام، وعلى الرغم من وجود تحسن ظل وضع حقوق الانسان تحت هيمنة الادارة الضعيفة وضعف حكم القانون والافلات من العقاب للميليشيات والشرطة الى جانب القوانين والسياسات التي تضر بالمرأة وكذلك الانتهاكات المتصلة بالصراع، وقالت المنظمة ان القادة المحليين الافغان استغلوا الدعم الامريكي في تعزيز قبضتهم في حكم السكان المحليين حتى ولو على حساب حقوق الانسان، واضافت ان الحكومة وحلفاءها بددوا كثيرا من فرص محاسبة القادة الحكوميين او قادة الميلشيات على انتهاكات وقعت تحت قيادتهم، وقال آدمز أنهم يريدون تنحية القادة وامراء الحرب المتعسفين من مناصبهم ومحاكمتهم... لكن الحكومة الافغانية وحلفاءها وخاصة الولايات المتحدة وفرت لهم الحماية بشكل مستمر، وأضافت هيومان رايتس ووتش ان خطة للسلام والمصالحة والعدالة تم الاتفاق عليها عام 2005 تستهدف رصد المجرمين ومنتهكي حقوق الانسان وطردهم من المناصب العامة لم تنفذ. بحسب رويترز.
وقالت المنظمة ان العديد من الافغان وخاصة النساء يخشون ان يؤدي انسحاب القوات الاجنبية في اطار تسليم المسؤولية الامنية الى القوات الافغانية الى تأكل ما تحقق من تقدم في مجال حقوق الانسان.
شبكة النبأ ؛ کمال عبید
ترك تعليقاتك
إدراج تعليق كزائر